سوريا

في الصورة النمطية.. العرب يربون الكلاب أيضاً



منذ بضعة أعوام حدثت فعالية ثقافية في ألمانيا برعاية منظمتي سيكسيكو المغاربية، والدوتشفيله، عن الصورة النمطية تبحث في التصورات المسبقة التي تحملها أي جماعة عن أخرى، وشعب عن آخر، ويحملها الغرب عن الشرق وبالعكس أيضا، وقد تركز الحديث حول العروبة والإسلام.

ورغم الكشف الذي قدمه إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق والذي أدى للتدقيق في تصورات كثير من العاملين في شأن المعرفة المجردة عن تصورات الهيمنة السياسية والثقافية، وجعل كثيرا من مفكري الغرب والشرق يراجعون منتوجهم المعرفي على الأقل في مستوى العلوم الاجتماعية، وفي مكان آخر – بلجيكا- قدم رئيس الحكومة البلجيكي أمام البرلمان اعتذاره لأبناء الجنس المختلط من الأفارقة الذين وقعوا ضحية إجرام الاحتلال البلجيكي، ولعل الناجمين عن هذا التزاوج والاغتصاب كانوا أفضل حظا من سابقيهم من الأفارقة الذين سيقوا إلى حدائق الحيوان للفرجة باعتبار الرجل الأبيض كان محتارا في اعتبارهم بشرا أم حيوانات، لا شك أن المركزية الغربية التي تنطلق من ذهنية الهيمنة، أو من رؤية تنضح باعتبار الرجل الأبيض قد وصل إلى أقصى ما يمكن أن تنتجه الحضارة حتى الآن؛ ويعتبر ما أنجزته العولمة والحداثة نخبة المنجز الحضاري العالمي، وما عاد بحاجة سوى إلى الهوامش التي لا بد من تذكرها للشعور بهويته الخاصة مع انفتاح على ثقافات كثيرة، لكن ذلك الانفتاح كان رهين محددات كثيرة كالسياسة والإعلام الرسمي الذي بدأ يتصدع بعد أحداث الحرب على غزة، وانبثاق تصورات أخرى عن ذاك الشرق الذي تم حبسه في قمقم محصن لأنه “مخيف ومتخلف وإرهابي” باعتباره هامشا حضاريا للحداثة لا ينتمي لها ولم يشارك في صنعها كما قالها أحد رموز الثقافة والفكر الأوروبي الحديث وبالتالي ليس من المنتمين للإنسانية الحضارية، حتى إن الصهيونية نفسها كنتيجة للتفكير الأوروبي نشأت ضمن “هابتوس” غربي فوقي، لدرجة أن الكيان الصهيوني الذي بني على يد يهود أوروبيين أبناء هوية أوروبية، والذي يحاول جمع أكبر عدد من اليهود في حدوده الحالية؛ يعتبر اليهود العرب – الفالاشا مثلا- أدنى من يهود أوروبا.

الكيان الصهيوني هو قلعة هذا الغرب التي يجب أن تبقى قوية ومسيطرة، ويجب الحؤول دون تحقيق الدولة الحديثة والديمقراطية لأنها ستأتي بأنظمة تستجيب لحراك شعوبها..

استفاد الغرب الكولونيالي من العلوم والثورة الصناعية وتوسع على حساب الشرق، وأنجز دوله الحديثة ورسخ قيمه التي يريد داخليا، في حين حرص على عدم تصديرها باعتبارها حكرا له وجزءا من مصفوفته الثقافية، وفي محاولة تفكيك تلك الصورة القارة في الأذهان والتي تحتاج جهودا مضنية وطويلة واستراتيجية تنوء بها دول، عجزت أنظمتنا الوظيفية عن إنجاز شيء سوى النزر اليسير منها، ولعل سؤالا فادحا يمكن أن نواجه أنفسنا به ما هي القنوات التي تعمل لتوكيد الصورة النمطية وترسيخها؟ بعيدا عن جلد الذات الذي تحول إلى شعوبية تتقصد قراءة الشرق كهوية جذرية متصلبة، رغم إضمارها تعددا لم يعشه الغرب نفسه سوى في مستعمراته حينذاك، نعم لم تنجز الدولة العربية مؤسساتها الحديثة ولا شك؛ لأنها وكما يقول هادي علوي أُنشِئت تلبية لغربة الدول المستعمرة في جعلها بنى تخدم مصالحها ولم تتطور كذلك في الصناعة والتجارة والاقتصاد لتبقى سوقا كومبرادورية للوحش الرأسمالي الغربي، وبعودة إلى مجتمعاتنا وتاريخنا منذ فجر الإسلام حتى نهاية العهد الإمبراطوري للدولة العثمانية، نجدها قد حفلت بالكثير من التنوع الإثني والقومي والديني، لكن قوى الاستعمار بعد جلائها رسخت إبقاء شعوبنا في بنى ما قبل وطنية؛ لاستثمارها في حروب كارثية الثمن لنا؛ وصفرية الكلفة بالنسبة لها، ولعل الإبقاء على هذا النمط من الدول ترغيبا، وترهيبا، وإسقاطا، وتشكيلا لأنظمة جديدة توائم خططه؛ أصبح واضح الهدف بعد اجتياح غزة؛ لأن الكيان الصهيوني هو قلعة هذا الغرب التي يجب أن تبقى قوية ومسيطرة، ويجب الحؤول دون تحقيق الدولة الحديثة والديمقراطية لأنها ستأتي بأنظمة تستجيب لحراك شعوبها.

لم ينفتح الغرب على التعدد في الأعراق ولا الأديان حتى أمد بسيط حتى إن مشكلته في الحربين العالميتين لم تخل من المذهبية.

النقطة الثانية في أسباب ترسيخ الغرب لهذا النمط سياسيا جاء لترسيخ قراءة ثقافوية تحيل تخلف الشرق إلى بناه الاجتماعية وأديانه، وإيقاع الغالبية العظمى من مثقفين وباحثين في حمى إطلاق صفات ومحاكمات مانوية توزع العالم والشعوب على قطبين غربي متقدم وشرقي متأخر، بدينه وقومياته وذهنياته، تبدو هذه النسقية في النمط الغربي وسياسته غربية بحتة لكنْ لها حراس وكهنة ومطبلون، من أبناء الشرق ذاته، سواء من الذين أوهمتهم الحضارة الغربية ليغرقوا في أوحال الثقافوية، أو تم تجييرهم ليكونوا جزءا منها، وأداة لها.

لم ينفتح الغرب على التعدد في الأعراق ولا الأديان حتى أمد بسيط حتى إن مشكلته في الحربين العالميتين لم تخل من المذهبية، في حين عاش الشرق منفتحا على مختلف الأديان والحضارات والمذاهب، ويكفي أن نتذكر كتب التاريخ اليهودية التي تحتفي بموسى بن ميمون وتعتبره موسى الثاني وثاني شخصية على مر التاريخ اليهودي تأسيسا وكتابة؛ وأنجز معظم تقعيدات “التناخ” كتابهم المقدس، لنجد أن موسى بن ميمون كان يعيش ضمن الدولة الإسلامية كيهودي دون تمييز يطول وظيفته وحياته، وأن مذابح اليهود قد حصلت كنهاية لعهد الغيتوات المغلقة التي صنعتها أوروبا لهم.

الباحث الألماني يطالب بتفكيك الإسلاموفوبيا والحد من تجاوزات اليمين الألماني، في حين يعتبر الباحث العربي أنها آلية يقتات منها مسؤولو التنظيمات الإسلامية.

وفي عودة لتفكيك أدوات جديدة تحترف جلد الشرق وبُناه ومرجعياته وتاريخه، من مثقفين وكتبة من شرقنا وفي غمرة البحث عن كتاب يروي شيئا عن العرب حديثا في ألمانيا، تشاء الأقدار أن ترتطم بكتاب اسمه “القبيلة العربية – الخطر الداهم” لكاتب عربي الأصل اسمه رالف غضبان، وقد اختص الكتاب بموضوع الجريمة المنظمة في ألمانيا، والتي يركز فيها على نشاط عائلات من قبيلة “المحلمية” القادمين من لبنان أيام الحرب، لكن الكاتب يقتفي آثار القبيلة منذ الجاهلية حتى الإسلام، فيروي أن القبيلة العربية كانت متخلفة بقيم رثة ولا نجاح يذكر، قبالة قبائل يهودية متطورة في المدينة في إشارة ليهود خيبر، ثم يعود ليقارن القبيلة في عهد الإسلام ويعتبر أن الإسلام قد رسخها ورسخ نظام الأسرة الأبوي، وكأن أوروبا قد حققت النظام الأمومي والجندر والشذوذ منذ قرون، ويلاحق مجتمع المهاجرين فمن لم يلبسه ثوب القبيلة ألبسه ثوب الإسلام المتشدد، وقارن قيم القبيلة القديمة وغزواتها قبل ألف عام بقيم الغرب الآن، حتى يخيل للقارئ العربي أنه تجاوز ذكر أن العرب يربون الكلاب خوفا من احترام الغرب لهم، في خضم ذلك يبدو للقارئ الغربي أنه لا عرب الآن سوى قبائل متناحرة؛ وصرح بشكل واضح أن كل دولهم- العرب- غير شرعية سوى دولة واحدة، بل ويطالب الدولة الألمانية بضرورة كسر قانون حماية البيانات الشخصية لأبناء القبائل – وهم العرب عموما- فمن لم يكن ابن قبيلة فهو مسلم ويقع تحت وطأة الاتهام ذاته، واعتبارهم متهمين حتى تثبت براءتهم، ويعيب على الدولة الألمانية تبنيها لقيم التعدد والتنوع الثقافي.

وقد قامت قناة “دوتش فيله” بعقد ندوة حوارية بين الكاتب الغضبان وباحث ألماني “شتيفان فايدنر” لنجد أن الباحث الألماني يطالب بتفكيك الإسلاموفوبيا والحد من تجاوزات اليمين الألماني، في حين يعتبر الباحث الغضبان أنها آلية يقتات منها مسؤولو التنظيمات الإسلامية، في خضم ذلك تقول باحثة يهودية مهاجرة من تونس في تحليل الذهنية الغربية” تقوم الهوية الغربية على دعامتين متناقضتين، أولاهما – إذا أردت أن تكون بشريا وكونيا فعليك أن تكون مثليا، والثانية – مهما فعلت فستبقى آخرا “، هي خلقت سِفرا من التقليد والتماهي ليموت المرء لهاثا خلف سراب أن يكون غربيا وفقا لتصورات أقصى متطرفيه.

 

 

شارك هذا المقال



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى