اليمن

حسين الصديق الجفة همزة وصل الماضي بالحاضر



عندما كنت طفلا صغيرا كنت مولعا بسماع القصص والحكايات التي كانت تقوم مقام التلفزيون في قريتي التي لم يكن فيها تلفزيون آنذاك ، وكانت أجمل القصص هي ما نسمعه من عمتنا (آمنة البطانية) فكنا نلتف حولها وهي تحكي لنا حكايات أبو زيد الهلالي وذياب بن غانم وحكايات بانواس والسلطان وحكايات الحيوانات التي كانت تكلم فاطمة بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقصص الحميد بن منصور الذي يتسلق الجبال بخطاه الكبيرة.
وكانت كثيرا ما تكرر علينا قصة البطل الصديق الجفة ذلك القائد الشجاع الذي استطاع أن يتخلص من سجانيه ويأخذ من أحد الجنود بندقيته رغم أن رجليه مقيدة بسلاسل الحديد، ولكنه رغم ذلك انقض عليهم وقتل منهم ثلاثة عشر جنديا، ثم تسلل إلى مزرعة ليتمركز فيها، قبل أن تعزز القوات الحكومية جنودها وتحاصر المكان فيقتل شهيداً شجاعا خالدا. كان ذلك في مطلع السبعينيات حين كان اليسار الشيوعي الحاكم يمارس القتل والذبح والسحل لكل مخالفيه.
ثم علمت فيما بعد أن الشهيد البطل العقيد القائد الصديق الجفة هو ابن أحمد الجفة قائد معركة النقع عام ١٩٤٦م والتي تصدى فيها مع الكثير من أبطال دثينة للقوات البريطانية رفضا لدخولها إلى دثينة.
من هذه السلسلة الذهبية ولد الأستاذ حسين الصديق عضو مجلس النواب السابق والباحث في التراث حاليا ورئيس تحرير مجلة الوضيع الثقافية. لم تكن لي معرفة سابقة بالأستاذ حسين وأول سماعي لاسمه كان في الانتخابات البرلمانية بعد الوحدة عام ١٩٩٣م والتي حصد فيها عضوية المجلس، ومن تلك المدة لم أره ولم ألتق به ولكن كانت تبلغني أخباره فكان يكفي أن يقال أنه ابن الصديق الجفة، وكل من سمعته يذكره فإنه يتحدث عن شهامته وكرمه وعفته ونزاهته وشدة حيائه.
بعد سنوات انشغل الأستاذ حسين بالشأن الثقافي فاتجه إلى جمع التراث المتفرق في ذاكرة الرواة فكان ثمرة ذلك الجمع عدة كتب بذل في جمعها جهداً كبيراً ولولا اعتنائه بها لضاعت كما ضاع الكثير قبلها. 
من هذه الكتب:

*ابن حويدر الشاعر الفارس* 
*شعبيات( مختارات من الشعر الشعبي)* 
*ديوان الشاعر شميلة* 
*ديوان الشاعر أبو سلطنة قردع*
*ديوان الشاعر منصور عشال*
*وكتاب العقيد الصديق.* 
*وكتيبات أخرى للشاعر سالم أحمد العاطفي المحوري* 
*ديوان الشاعر ناصر علي مهاب*
*زوامل للشاعر حيدرة سالم المزيد*
*كتيب للشاعر امرقية الجغدني*
*ديوان الشاعر فيصل أحمد مسر*
ونشرات أخرى ومطويات وكتابات كلها تصب في خدمة تراث أبين وتشره وهي بحاجة إلى أن تحمع وتطبع على شكل ( الأعمال الكاملة) بحيث تتبناها جهات ثقافية رسمية.

ولا يدرك أهمية هذا العمل إلا المهتمون بالمشهد الثقافي في دثينة والمدركون لأهمية جمع هذه الدواوين وحفظها من الضياع والتي تمثل مخزوناً ثقافياًولغوياًوتاريخياً وجغرافياً وأجتماعياً يشهد على ذلك العصر وينقله للأجيال كائناًتنبض فيه الحياة وظني أن الأستاذ حسين تعب وجهد جهداً كبيراًحتى تسنى له هذا العمل وأنه فتح باباً ليلج منه الباحثون بعده ومهد طريقاً سهل عليهم استكمال مثل هذه الأعمال الجليلة… 
ثم وقعت في يدي مجلة الوضيع الثقافية واطلعت على بعض مقالاتها وتقاريرها ووجدت أن صاحبها هو الفارس الذي لا يمل الأستاذ حسين الصديق، فكأنه أراد أن يشرك المثقفين والكتاب من خلال مجلته ليستكملوا مشروعه الذي أنجز منه الكثير.
وكل هذا زاد حرصي على التعرف على هذا (الحارث في تربة التراث) وما زلت أتواصل معه وهو يعتذر لي ببعده وانشغالاته وأنا أحاصره حتى كان لنا ذلك اللقاء في مكتبة الرسالة مودية. كنت أتخيل الأستاذ حسين رجلاً طويلاًعريضاً بطينا أبيض اللون شامخاً بأنفه سأحتاج معه إلى مسايسة حتى تلين لي قناته، ولكني وجدت أمامي شخصاً مختلفاً، رجل اسمر نحيف الجسم شديد التواضع ينكر ذاته ويهضم نفسه حتى ليشعرك أنه مجرد طالب صغير من طلابك بينما ينطوي ذلك الجسم النحيل على همة تزلزل الجبال وشموخ يداعب السحاب وثبات كثبات النخيل كل ذلك مكسو بما سمعته عنه قديماً من مكارم الأخلاق ومعالي الشيم.
وفي ظني أن ما قام به الأستاذ حسين لم تقم به مكاتب الثقافة في بعض المحافظات ولهذا أدعو قيادة المحافظة والجهات المختصة في أبين عامة وفي دثينة خاصة أن تقيم حفلاً تكريمياً يليق بهذه الهامة الثقافية الكبيرة.
أما الحديث عن الصديق الجفة وأحمد الجفة فسيأتي ضمن سلسلة (أعلام دثينة) بإذن الله تعالى.
.

.



مصدر الخبر

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى