اليمن

حقا إذا لم تستح فاصنع ما شئت



لقد استطاع العرب الأوائل أن يحفظوا لنا ويدونوا كثيرا من الأمثال السائرة ، والألفاظ المعبرة ، والمعاني المفيدة والمؤثرة ، وذلك بعد أن استخلصوها من أعماق بحار تجاربهم ، وعصارة عقولهم ، وتحليق أفكارهم ، ومما علموه وتعلموه في مسيرة حياتهم ؛ الأمر الذي جعلنا ما إن نصطدم بأمر سيء ، أو سلوك معيب ، أو عكسهما ، نسمعه أو نراه أو نعايشه ، من كبير أو من صغير ، من قوم أو من فرد ، من ذكر أو من أنثى ، إلا وعدنا في سرعة البرق إلى أرشيف الذاكرة لننتزع منه مثلا موجزا – ربما كان من بضع كلمات – لكنه قد حمل الداء والدواء لأي ظاهرة تواجهنا في الحياة ؛ إذ  يحذرنا من فعل ذلك الأمر السيء ، أو الانجراف إلى ذلك السلوك الكاذب المخادع ، وفي الوقت نفسه نجد من الأمثال ما يرغبنا إلى فعل ذلك السلوك إذا كان نافعا ، وتنفيذ ذلك الأمر إن كان مفيدا ، ومع ذلك كله إلا أن أقواما كثيرة ، ومجتمعات عديدة مازالت أشبه بالقطيع من الأنعام ، إذ لاتستطيع التمييز بين الصادق والكاذب ، والضار والنافع ، وبذلك يصبح الفرق شبه معدوم بينها وبين القطيع ، فالأخير إذا ماهززت شجرة السمر ، أو خبطت أعلاها بالمخبط جاء نحو الشجرة يركض بأقصى سرعة ظنا منه أنه سيجد كما كبيرا من الزهور (الثباب) أو من الثمار (الخزر)  تحت الشجرة ، جراء هزة الراعي لها أو خبطته أعلاها ، مع أن ذلك القطيع يعلم يقينا أن الراعي يكذب عليه ؛ لأنه يرى الشجرة أنها في ذلك الوقت خالية تماما من الأزهار والثمار . وكذلك بعض الشعوب ؛ يعرفون جلاديهم ، وسارقي أقواتهم ، والمتاجرين بدماء أبنائهم ، ومع ذلك تجدهم يصدقون أكاذيبهم ، ويصفقون لأوهامهم ، ويرقصون طربا بما ينزل عليهم من أولئك اللصوص ؛ كالجوع والخوف والمرض وانعدام الخدمات ، وغير ذلك من المعاناة .

نعود لموضوع سردية الليلة والعود أحمد .
وأنا عائد إلى منزلي أقود مركبتي ، وبجانبي أحد الأصدقاء ، وصوت المذياع مرتفع جدا . في هذه الأثناء انطلقت من فمي ضحكة لا إرادية ، بلغت حد القهقهة ، يسألني صديقي ، مع من تضحك ؟ قلت : مع نفسي ياصديقي ، قال أوجننت حتى تضاحك نفسك ؟ قلت : كلا ياصديقي ، ولكن يبدو أنك لم تسمع قول المذيع ، أجل ياصديقي ، لقد ذهب خيالي يحلق في الفضاء بعيدا ، ولم أدرك حديث المذيع ، لكن بربك قل لي ماذا قال المذيع حتى جعلك تضحك تلك الضحكة القوية ؟ لقد كان المذيع يستعرض شيئا من فساد خصومه الأقربين ، ونسي أو تناسى أن فساد من ينعق باسمهم قد بلغ حدا لم يسبق أن عرف التاريخ مثله أو شبيها له ، فتذكرت حينها المثل العربي القائل : ” إذا لم تستح فاصنع ماشئت ” وكذلك المثل العربي القائل : ” شر البلية مايضحك ” حقا أيها القوم إذا لم تستح فاصنع ماشئت ، وكذلك حقا أيها القوم إن شر البلية مايضحك . وماذا كان يجب على المذيع أن يفعل ياصديقي ؟ كان يجب عليه وعلى من يأمره بإرسال ذلك القول أن يحترموا عقولنا ، وأن لايشهروا بغبائنا ، وأن لايتجاهلوا معاناتنا ، كيف يتحدثون عن الفساد عند الآخرين وهم غارقون في مستنقعه إلى الأذنين !  

كيف يتحدثون عن الفساد والدولار الأمريكي قد تجاوز الألف والأربعمائة ريال في جغرافية سلطتهم ومواطن نفوذهم !  كيف يتحدثون عن الفساد وانقطاعات الكهرباء قد تجاوزت الخمس ساعات مقابل ساعة واحدة تزور فيها المنازل !  كيف يتحدثون عن الفساد وقد غطت سماء عدن خيمة من الدخان الأسود الذي ينبعث من المحروقات الفاسدة التي ابتاعوها لمولدات الكهرباء بثمن بخس ؛ ليكسبوا من المال المخصص لابتياع المحروقات مايشبع كروشهم المنتفخة …

اعذرني أخي العزيز لن أبلغ إحصاء الشيء اليسير من فساد هؤلاء القوم حتى لو بقيت أكتب فيه سنوات .



مصدر الخبر

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى