اليمن

رحلة العم سالم الدراسية



عمنا سالم راح يدرس في الخارج، ولكنه قد بلغ من العمر عتيًا، فأعمار الأمة من الستين إلى السبعين، ولم يتبق معه إلا العشرين إن طال به العمر، طبعًا هذا بعد المغالطات حق تاريخ الميلاد، المهم عمنا سالم سافر ومازال في العظم قوة، والذاكرة مازالت تؤدي دورها، ولو في أقل حالاتها.

وصل عمنا سالم إلى بلد الدراسة وأمضى من العشرين سنة عشر سنوات مع التمديد، عاد عمنا سالم وقد خارت قواه، فعند وصوله كان يتكئ على عصا، والنظارة تكاد تغطي نصف وجهه، استقبله أولاده وأصحابه، فمسك بيده ابنه سليم، وأخذ يساعده على المشي، وكلما التفت على ابنه، سأله: من أنت أنا فدوك؟ وكان يرد عليه: أبه أنا ابنك سليم، فرد عمنا سالم: سليم ابني أنا فدوك، واستمر يسأل وذاك من؟ قال ابنه: هذا جارنا أحمد، فيسأل العم سالم: أحمد من؟ فيجيبه ابنه: هذا جارنا أحمد علي، فيقول العم سالم غير مكترث به: والله ما أنا داري من أحمد علي، فيتوشوش جاره أحمد مع أحد أصحابه، قائلًا: كأن عمي سالم خرف، وكيف سيدرس الطلاب؟ ولأيش عاده درس؟

  مشى العم سالم، وابنه سليم ممسكًا بيده، وقال: قلت لي أنت من؟ قال ابنه: أنا ابنك سليم، أبه وراك شي يوجعك؟ قال العم سالم الذي أصبح دكتورًا: والله يا خوك رعني مدقدق، ولا أنا داري جاي من أين، ولا رايح وين؟ قال سليم: أبه أنت الآن في عدن، قال العم سالم: عدن، قدنا في عدنا، وجزعنا امعراقيب ولا حسينا، قال ابنه: أيش من عراقيب، أبه أنت جيت في طيارة، رد العم سالم قائلًا: طيارة من لودر؟ قال ابنه: أيش من لودر يا حاج؟ أنت جيت من الخارج، قال العم سالم: أيش وداني للخارج؟ قال ابنه: رحت تدرس دكتوراه يا حاج. قال العم سالم: كأنك تضحك على أبوك، أدرس في هذا العمر، رد سليم: أبه أنت رحت تدرس دكتوراه، رد العم سالم: والله يا ابني ما يطيعني أضرب إبرة.

 ضحك جاره أحمد، وقال: ها أعطنا عمرك، بانروحك، والجامعة الله يغنيها من دراستك، وعلمك، قدهم يتركون الواحد لما يتناصل وودوه يدرس، وما عاد يجي إلا وقده مخرف، شد العم سالم على يد ابنه سليم، وقال: من أنت عراك لي، قال: أنا ابنك سليم، ضحك العم سالم، وقال: والله شعك شيبه يا ابني، ومال أبوك ما يزوجك؟ ضحك سليم، وقال: منتظرين له لما يحصل الدكتوراه، وبايزوجني، قال العم سالم: لو كان صلحت لك قطبة نعاج أحسن لك من دكتوراة أبوك التي عادك ساهن لها، هاقُدني قُدني عراك لي شفني ما عاد أبصر إلى بعيد، قلت لي أنت ابن من؟ رد سليم: كان الأمل فيك يا حاج، قلنا باتجي وباتقع حراوة، قال العم سالم: حراوة من؟ أوقف سليم سيارة، وطلَّع أباه، وهو يردد: والله لوكان صلحت لك يا حاج قطبة نعاج أنه أحسن لك ولنا.

مع تحياتي لكل دكتور مسه الضر، والوهن، والتعب، وأصبح راتبه لا يفي بأبسط متطلبات حياته.



مصدر الخبر

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى