اليمن

لا أريد منهم غير الاعتذار



لقد اصطحبت أحد أبنائي مساء أمس إلى منزل أحد القادة الذي تربطني به علاقة طيبة ، وقد قضينا في كرم ضيافته وقتا ممتعا ، وبعد أن صلينا صلاة المغرب في منزل ذلك القائد ، عدنا إلى مواضعنا في ديوانه الكريم لنواصل جلستنا المباركة ، وإذا برجل يطل علينا من الباب يطلب الإذن بالانضمام إلينا ؟ أذن له رب المنزل على الفور ، وقبل أن يجلس ، ألقى نظرة سريعة على مواضع القعود في الديوان ؛ ليحتل الموضع غير المشغول ، لكنه تفاجأ أن لاموضع قريب من رب الديوان ، وقبل أن يتجه إلى القعود بعيدا عن سيد المنزل ، صرخت أنا باسم ابني طالبا منه أن يترك مقعده لذلك الشريف أصلا وسلوكا ، قعد ذلك الشريف ، وقبل أن يستعرض مشكلته ، ويقول : أخي القائد أنا لا أريد أكثر من الاعتذار منهم ، قمت بتزكيته عند القائد ورجوته أن ينتصر له ؛ لأن في نصرته نصرة للحق .

وفي الطريق في أثناء عودتي إلى منزلي ، سألني ابني ، من أين تعرف ذلك الرجل الذي أمرتني بإخلاء مقعدي من أجله يا أبي ؟ اعلم يا بني أن مسافة الطريق قصيرة والقصة طويلة ، احكيها بإيجاز يا أبي حفظك الله وأنا سوف أقلل من سرعة المركبة ما أمكن ، لابأس يا بني ، سوف أحكيها بإيجاز شديد .

اسمع يابني ذلك الرجل الشريف ، كنت أعرف أباه جيدا من سني المنفى ، وكان كثيرا مايحدثني أن له ابنا في منطقتنا ، مع أن الأب من شرق البلاد ، وبعد أن عدت إلى أرض الوطن ، تعرفت على الابن إذ كنت أسمعهم ينادونه بالشريف ، وكلما نظرت إليه وجدته صورة طبق الأصل من الشريف الذي كان صديقي في المنفى ، وذات يوم دعانا الشريف الصغير للمقيل في منزله ، وفي ذلك المقيل سألته ، أمازال أبوك على قيد الحياة ؟ قال : أجل مازال أبي ينعم بالعافية ، قلت : وهل يسكن معك هنا ؟ قال : كلا ، لقد رحل عني وأنا رضيع في حجر أمي لظروف قاهرة ، لكن معذرة ما اسمه الرباعي ؟ وهنا جاء بالاسم كاملا ، فعرفت أن أباه هو صديقي في المنفى ، وفي هذه اللحظة أصبحنا أكثر من صديقين ، والأهم من ذلك أنه كان الشريف الصغير يدير مؤسسة مهمة في المنطقة ، فلم أعرف منه إلا ذلك المثل الأعلى للنزاهة ، والحفاظ على المال العام ، وفن الإدارة ، والمعاملة الراقية ، والأخلاق السامية .

أفهمت يابني قصة ذلك الشريف ؟ أجل يا أبي ، ولكن ما الذي كان يريده من القائد اليوم بعد أن أقالوه من إدارة المؤسسة ؟ وفي الإجابة على سؤالك هذا يا بني قصة أخرى ، ولكنني سوف أجيب بإيجاز شديد . إن في تصرفات اللصوص وسلوك الفاسدين ما يبعث الاستهجان والغرابة ، لقد أرادوا استبدال الشريف النزيه بلص فاسد يسرق لنفسه ولأسياده ، دون أي حياء أو خجل ، أو أدنى تفكير فيما ستؤول إليه المؤسسة من تدمير ، أو في الضرر الذي سيلحق بالمواطن البسيط ، والأسوأ من ذلك أنهم أقالوا الشريف بتهمة اختلاس المال العام دون أن يبلغوه بالاستقالة ، وإنما كان هو آخر من يعلم .

سلم الشريف المؤسسة وذهب إلى المحكمة متسلحا بوثائقه ، وقبلها بصدقه ونزاهته ، يريد أن يعرف من عدالة القضاء الأموال التي اختلسها على حد زعمهم ؟ وبعد مشوار طويل من التقاضي حصل على حكم صريح يبرز نزاهته ، ويثبت عدم اختلاسه لأي فلس من المال العام . وهنا حضر إلى ديوان القائد يطلب منه أن يستدعي خصومه ليعتذروا له فقط ..



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى