سوريا

البثوث والتسول عبر الإنترنت.. خطر يحدق بجيل الحرب في سوريا


جعل فضاء السوشيال ميديا العالم بأسره أشبه بقرية صغيرة غير محكومة بقوانين أو ضوابط، متاحة أمام جميع من يقصدها دون أي حد أو مانع، لا تشترط عمراً أو علماً، جواز سفرها حساب افتراضي يمكن لأي شخص يجيد القراءة والكتابة أن يستخرجه ببضع دقائق.

وكما هو الحال بالنسبة لأي عمل أو ابتكار، فإن العالم الافتراضي سلاح ذو حدين، فمثلما أسهم جانبه الإيجابي بفتح آفاق جديدة أمام الإنسان ومكنه من التواصل وتقريب المسافات، أدى الوجه الآخر إلى خلق مشكلات وتحديات جديدة أمامه.

وبالتركيز على المجتمع السوري، فلا شك أن الشبكة العنكبوتية كان لها دور كبير في نقل صوت السوريين إلى العالم بعد اندلاع الثورة عام 2011، ولمت شمل اللاجئين في دول الشتات، وكانت فرصة للراغبين بتنمية مهاراتهم أو استكمال تحصيلهم العلمي.

في المقابل، أسهم الانتشار الواسع وغير المضبوط للإنترنت، بحدوث مخاطر حقيقية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي وحتى الأمني، فكثيراً ما نسمع عن حالات الابتزاز الإلكتروني، واختراق حياة الناس والدخول في خصوصياتهم عبر الحيل وبرامج “الهكر”، فضلاً عن استخدامه من قبل التنظيمات الراديكالية في الترويج لأفكارها وفي بعض الأحيان لتنفيذ عملياتها.

ومن بين تلك المخاطر وأكثرها انتشاراً إدمان البثوث عبر مواقع التواصل وتحديداً “تيك توك”، حيث باتت هذه الظاهرة أشبه بسرطان يستشري في المجتمع، وبكرة من نار تكبر يوماً بعد يوم وتوقع مزيدا من الضحايا، في وقت يغيب به المنقذ بشكل كامل.

ويكمن خطر تلك الظاهرة، في أن المقتنعين بها تجاوزا جميع الخطوط الحمراء، وكسروا كل الحواجز، بهدف الوصول السريع إلى الشهرة، وتحقيق أكبر قدر من المردود المادي بغض النظر عن الطريقة وتبعاتها.

تسول من نوع آخر

ما إن تدخل إلى تطبيق “تيك توك” حتى تبدأ عشرات الحسابات التابعة لـ”متسولي” الشهرة والمال تنهال عليك، منها ما يقدم محتوى يعتبره كوميديا من خلال الإساءة لنفسه وعمره، وآخر يسعى لاستعطاف المتابعين من خلال التركيز على جوع أطفاله أو مرضهم، كما يحاول البعض تحصيل دعم إغاثي من خلال تجميع نساء وأطفال والطلب من المتابعين تقديم المساعدة لهم.

وغالباً ما تحتوي تلك البثوث على استغلال للأطفال عبر قيام ذويهم بتصوير حياتهم اليومية أو في أثناء تأديتهم لحركات معينة، ويندرج الحال ذاته على الفتيات اللواتي يخرجن رفقة آبائهم وأمهاتهم للمطالبة بمتابعتهم ومساعدتهم على انتشار حساباتهم.

نزار أبو حجر يرد على وليد حصوة ويعلق: التيك توك أغناني عن أكبر مخرج

ومما يحفز أولئك الأشخاص على المضي قدماً في طريقهم هذا، هو خروج بعض أصحاب الحسابات الكبيرة أو ما باتوا يعرفون بـ”التيكتوكر” للحديث عن إنجازاتهم ومرابحهم الكبيرة التي كسبوها من خلال البثوث، يضاف إلى ذلك عدم وجود رادع أو سلطة تمنع أو تضبط هذه الأمور.

أسباب استفحال هذه الظاهرة

كما أشرنا سابقاً فإن البعض يسعى إلى الشهرة والنجومية من خلال بثوث الـ”تيك توك”، ولا يقتصر الحال في هذا الإطار على مقدمي المحتوى الفارغ، وإنما يشمل مختلف المجالات بما في ذلك السياسية والعسكرية وحتى الدينية، حيث يختص كل شخص بنشر ما يناسب طموحه بغض النظر عن صحة الحديث الذي يقدمه، ودون حساب عواقب ذلك العمل.

ويعتقد الباحث الاجتماعي بسام أبو عدنان أن السبب الأول لإقبال السوريين على هذه الظاهرة هو الضائقة الاقتصادية والمعيشية، التي دفعتهم إلى طرق أي باب من الممكن كسب المال من خلاله.

وقال أبو عدنان في حديث لموقع تلفزيون سوريا: “ظروف الحرب وآثارها على واقع المعيشة، وآلية تعامل بعض المنظمات، جعلت قسماً من الناس يستسهل طلب المال، بغض النظر عن الوسيلة، كما أن هناك فئات أخرى مضطرة لطلب المال لعدم وجود مصادر دخل لديهم”.

ومن وجهة نظر الباحث في الشأن الاقتصادي عبد العظيم المغربل، فإن أبرز الأسباب التي دفعت الشباب نحو هذا المجال هو نسبة البطالة المرتفعة، وبشكل خاص في منطقة شمال غربي سوريا حيث وصلت إلى 90% تقريباً، علماً أن المنطقة تعاني أصلاً من ظروف اقتصادية وإنسانية صعبة.

بالإضافة إلى ذلك، أشار المغربل في حديث لموقع تلفزيون سوريا إلى أنه من بين تلك الأسباب انخفاض المستوى العام للأجور والرغبة في الاستقلالية المالية عند الشباب، “حيث يجد الشباب من خلال العمل على برامج الكسب من الإنترنت والبثوث دخلاً أفضل من دخل العامل، بالإضافة إلى سهولة العمل من الناحية الجسدية وفي الوقت الذي يريدونه دون أي اعتبار للنواحي الأخلاقية”.

تبعات اجتماعية واقتصادية

لا يقتصر ضرر هذه الظاهرة على العاملين فيها، وإنما يشمل جميع السوريين، حيث تسبب أذية للعلاقات الاجتماعية التي ستتأثر بمكوث صاحب البث لساعات طويلة أمام بثه، وبالإساءة إلى سمعة عموم الشعب ونعته بصفات التسول وغيرها، فضلاً عن حالات التنمر التي يتعرض لها المشاركين بالبثوث وبشكل خاص الأطفال حيث ستلازمهم طوال حياتهم.

وفي هذا السياق، يقول الباحث بسام أبو عدنان إن أهم تبعات هذه الظاهرة هي “انتشار ثقافة التسول بشكل أوسع، وكون هذه البثوث عامة ومنتشرة بكثرة ويمكن مشاهدتها من أكثر من دولة، فإنه من الممكن أن تسيئ لصورة السوريين”.

أما من الناحية الاقتصادية، فإن متابعة واقع الأشخاص الذين يكسبون المال من برامج الإنترنت، تظهر حالة الكسل التي وصلوا إليها ورفضهم العمل بأي مهنة كونها باتت صعبة بالنسبة إليهم، إضافة إلى قيامهم بحث المقربين منهم على ترك أعمالهم والتفرغ لتلك البرامج كونها أكثر ربحاً وأقل جهداً.

هل صناعة محتوى الـ"Tiktok" بات مهنة ووسيلة للربح؟ سوريون يجيبون

وهنا يقول المغربل إنه “على الرغم من أن البثوث ستؤدي إلى دخل مادي للشباب، إلا أن الإنتاج وعملية التنمية الاقتصادية في المنطقة ستتأثر بسبب الابتعاد عن الأعمال التقليدية، خاصة إذا ما توجه أصحاب الكفاءات والخبرات بشكل أكبر نحو مجال الكسب من الإنترنت”.

الحد من ظاهرة بثوث الـ”التيك توك”

نظراً لخطورة هذه الظاهرة، وآثارها السلبية الكثيرة على الفرد والمجتمع، فإنه من الضروري التدخل والحد منها، ومعالجة جذور الأزمة التي تسببت بانتشارها، وبشكل عاجل قبل إنجرار مزيد من الشبان نحوها، ووصولها إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه.

ويرى المغربل أن الحلول تكمن بشكل رئيسي من خلال قيام السلطات المحلية بخطوات فعّالة لتوفير فرص العمل للشباب من خلال إقامة مشاريع استثمارية، وفرض قوانين لتحسين الأجور، ومنع هذا النوع من الكسب أو وضع شروط وضرائب عليه.

يضاف إلى ذلك ضرورة قيام المنظمات الإنسانية بمشاريع تنموية في المنطقة، وتقديم جلسات إرشادية حول خطورة هذه البرامج وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة في حال لم يتم معالجتها، وفقاً للمغربل.

من جانبه، يعتقد الباحث بسام أبو عدنان أن أسرع حل هو الحل القانوني، من خلال وضع قوانين ضابطة لبرامج الكسب من الإنترنت، ومن ثم الانتقال إلى الحل المستدام الذي يقوم على تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي للشباب.

وأضاف: “الأمراض والظواهر الاجتماعية السلبية عادة ما تكون نتائج لأسباب أخرى، ولهذا لا يمكن علاج مثل هذه الظاهرة إلا بمسارات متوازية، بدءاً من وضع قوانين ناظمة بالحد الأدنى للتسول الإلكتروني، وصولاً إلى محاولة رفع مستوى المعيشة، وتأمين فرص العمل”.

كذلك أشار أبو عدنان إلى أن “الفقر مصدر لكثير من الأمراض والظواهر الاجتماعية السلبية التي لا تعالج إلا بعلاج السبب، لكن يمكن العمل على وضع حدود دنيا من القوانين تمنع تحول الأمر إلى ظاهرة واسعة الانتشار، تسيئ للسوريين وتجعل التسول الإلكتروني أمراً مستساغاً”.

الجدير بالذكر أن برامج الكسب من الإنترنت انتشرت في سوريا بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية، وبشكل خاص في منطقة الشمال الغربي حيث تتوافر شبكات اتصال ومكاتب حوالات تساعد على ذلك، وقد تعرض العاملين بها لكثير من عمليات النصب من المتعاونين معهم خارج البلاد، كانت أكبرها أواخر العام الماضي حين خسر عدد من الصرافين حساب “بايونير” مشترك فيما بينهم يحوي على أكثر من مليون دولار، يعود معظمها للعاملين بتلك البرامج.

 



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى