منوعات

بوح الجدران وكلمات متجمدة في الصدر..!

 

بوح الجدران وكلمات متجمدة

شبكة المحيط الإخبارية العاجلة//

 

بدأتْ بالهمس إلى الجدران ، كأم ثكلئ فقدت اللب والوجدان ، ياإلهي ما بال كلماتي تتجمد في حنجرتي كقطع ثلج مزدحمة في فوهة إبريق؟

ما بال الحزن مشتعلاً في أعماقي كالبركان ؟
لمن أبوح بذلك الهم الثقيل الذي جثم بركبتيه على صدري ؟

هكذا بدأت ” ر ” يومها تتساءل و تُتمتم في سكون تام . تتساءل وتهمس بصوتها الربيعي الخافت كمصباح يوشك أن ينطفئ في عمق الدجى ، ذلك الصوت العذب الذي لو إرتفع قليلا لصار موسيقى عذبة تُطرب الآذان .. ذلك الصوت الذي إذا سمعه الشتاء سيذوب حتما في أحضان الصيف .ويتلاشي الخريف بينهما ….ويزهر منه الربيع حدائق نرجسية فائقة الجمال …
صوتُها يجعل الشمسَ تُشرق في منتصفِ الليل ويجعل النجوم تضاء كشموع المساء ..صوتاً يجعل الأزهارَ تَتفتحُ على الأرضِ الجليدية ….لكنها تأبى إلا أن تصمت فتارةً تُتمتم وتارةً تحبس كلماتها في حنجرتها فتُصبح شاحبة كقطعة ثلج صغيرة كادت أن تتلاشى في مكانها شيئاً فشيئا.
ساورني الفضول فاقتربت منها وصرخت سائلة اياها..” لمَ أنتِ شاحبة ؟ قولي شيئا ولا تتساءلي مالذي انتزع بسمتك من محياك ؟؟ ”
نظرتْ إلي نظرة توحي باليأس وكأنها تقول .. لم يعد يجدي سؤالك نفعاً … ولم يَعد لأجوبتي معنى ….
وما هي إلا ثوان حتى غَفتْ عيناها الجميلتان ونامت بدون سابق إنذار كعصفورٍ أردته الأيام في عُشه الصغير منهكاً من التعب .. وكأن أظافرَ الأيامِ قد إنتَزعت من حدائق وجدانها أحلاماً كانت تبنيها منذ الصغر كما يبني الطيرُ وكره وما إن ينتهي من بنائه حتى تأتي رياح عاصفة تنتشله بوحشية وترمي به بعيدا فيصبح ذلك الطير شريدًا حزينا .
تبدو ” الطفلة ” ر ” ذات الإحدى عشر ربيعاً وكأن الاحلام كانت بداخلها عملاقة كقلاعٍ ذات أسوار منيعة ولكن رغم مناعتها تهشمت واصبحت كحطام متراكم يملئ المكان .
فما دفعني للاقترابِ منها أكثر … هي تلك الدمعة البريئة التي تَسقط من عينها النائمة والتي جعلتْني أُشفق عليها كثيراً ..إقتربت منها أكثر وأكثر ورفعتُ يدي على مهل كي لا أوقظها من غفوتها ومسحتُ عن خدها البرئ تلك الدمعة التي مزقَتْني ألماً وجعلتْني أُشارك “ر” البكاء بقلبي قبل عيني.
خانتني عيناي وانهمرتْ أدمُعي كحبات ثلج متساقطة الواحدة تلو الأخرى.. أصبحتْ عيناي تُمطر بغزارة كما تمطر سماء الشتاء ..سَقطعتْ بعض أدمعي على خدها الصغير فصحتْ من غفوتِها مُنتَفضةً كأنها رأت شبحاَ يطاردها في المنام .
قلتُ مسرعة .. ” هَوّني عليكِ صغيرتي .. لا تفزعي .. لم أنو إيذائك” …وبدأتُ أبتعدُ عنها شيئاً فشيئا كي تستعيد نبضها المتسارع الذي كاد أن ينقطع وكادتْ أنفاسها أن تموت …هدأتْ “ر” واستجمعتْ قواها من جديد ..بدأتْ كاالعادة تُتمتم ثم رفعتْ صوتها صارخة
“أنا التي انتزعت مني الحروب جميع أهلي .. وذبحتني الأيام بسكينها المشحوذ ..أنا التي سُرقت أحلامي البسيطة … فأصبحتُ كشجرة عارية في صحراء الظلم مرمية ..”
قولي لي :كيف لي أن أبتسم وقد سلبت إبتسامتي وتاهت بين قسوة الأيام وتجاعيد السنين؟!
فأنا التي ضاعت آمالها بين صراعات الزمن وتكالب الأمم …فلم يتبقئ مني شيء سوئ آثار ظل وشظايا روح……….

 

بقلم : غفران فضائل

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى