سوريا

إيران وإسرائيل.. حليفان أم عدوان؟



تعيد التطورات الأخيرة في المنطقة الجدل القديم حول طبيعة العلاقة بين إيران وإسرائيل، وهل هي عدائية تصادمية، كما يشير الخطاب المعلن لكل منهما، وما ترفده العديد من الوقائع الميدانية، مثل تبادل القصف مؤخرا، والحروب بالنيابة، أم هي علاقة تحالفية تقوم على تقاسم المصالح على حساب المنطقة العربية، التي تعاني فراغاً كبيراً في الدور والقيادة.

والواقع أن الفهم الصحيح لطبيعة دور إيران في المنطقة، سواء قبل ثورة الخميني عام 1979 أم بعدها، لا بد أن يعود إلى التاريخ انطلاقا أن إيران دولة مركزية في المنطقة، ولها تاريخ حضاري، وشهدت قيام إمبراطوريات، كانت دوما في تنافس وصراعات مع جيرانها والأمم الأخرى.

عودة للتاريخ

ورغم دخول الإسلام إلى بلاد فارس منتصف القرن السابع الميلادي، وإزاحة الديانة المجوسية (الزرادشتية)، إلا أن إيران تحولت بعد ذلك إلى المذهب الشيعي بين القرنيين السادس العاشر والثامن عشر، تحت الحكم الصفوي الذي فرض هذا المذهب بالقوة. كما حافظت طوال الوقت، وخاصة العنصر الفارسي فيها، على لغتها وثقافتها، برغم التأثر الكبير بالدين الإسلامي. 

وبالنسبة للعنصر الفارسي في إيران الذي يشكل نحو 55 بالمئة من السكان، فإن استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وفرض إيران كلاعب إقليمي ودولي، ظل هاجساً حاضراً حتى قبل عام 1979، لكن بعد الثورة ووصول الخميني إلى السلطة، برز ما عرف بمبدأ “تصدير الثورة” كما جاء صراحة في ديباجة الدستور التي نصت على” استمرارية الثورة داخل البلاد وخارجها مع سائر الحركات الإسلامية والشعبية، حيث تسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم”، وهو ما أثار مخاوف دول المنطقة، وخاصة بلدان الخليج، التي ساندت حرب العراق على الكويت عام 1980 لصد الخطر المتوقع، وهي الحرب التي لا يخفى أنها حظيت أيضاً بدعم خفي من جانب إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عامة، بهدف فرملة اندفاعة هذه الثورة التي رفعت شعارات معادية لإسرائيل، وبغية إشغال دول المنطقة مع بعضها البعض، بعيداً عن إسرائيل، التي ساندت إيران في بعض مراحل هذه الحرب عبر صفقات أسلحة قدرت آنذاك (بين عامي 1981و1983) بـ 500 مليون دولار، فضلا عن مهاجمة المفاعل النووي العراقي من جانب إسرائيل عام 1981.

الغرب يتفهم دور إيران في المنطقة 

ورغم المخاوف التي أثارتها الشعارات والمبادئ التي رفعتها ثورة الخميني، إلا أن الغرب، بما في ذلك إسرائيل، لم يذهبوا إلى مواجهة مباشرة معها. وحتى بعد الحديث المتواصل منذ أكثر من 20 عاما عن البرامج النووية الإيرانية، لكنهم لم يحاولوا وقف هذا المشروع بالقوة، كما فعلوا مع المفاعل النووي العراقي والسوري اللذين قصفتهما إسرائيل، والليبي الذي جرى تفكيكه وتسليمه لوكالة الطاقة الذرية الدولية، ذلك أن الغرب يتعامل مع إيران كدولة كبيرة لها تاريخ وحضارة، ولديها أهداف قد يعتبرها مشروعة للتوسع في محيطها الإقليمي، عبر وسائل ناعمة تارة أو من خلال ميليشيات طائفية تدعم نفوذها، وهي أمور مقبولة للغرب، طالما بقيت بعيدة عن المس بمصالحه، وفي مقدمتها إسرائيل التي تعتبر استثماراً غربياً متقدماً في المنطقة.

إيران تتعامل مع القضية الفلسطينية من منظور نفعي واستراتيجي.

كما أن إيران بعيون الغرب، ليست خصماً عقائدياً على غرار الإسلام السني الذي توسع ذات يوم ووصل قلب أوروبا، ويمكن بالتالي عقد تفاهمات معها، باعتبارها “أقلية” مذهبية، في بحر عربي وسني، يحمل إرثاً معادياً للغرب خاصة بعد الحملات الصليبية على المنطقة.

أما بالنسبة لعلاقة إيران بإسرائيل، والقضية الفلسطينية بشكل عام، فإنه ورغم الشعارات الرنانة وذات السقف العالي التي رفعتها إيران تجاه إسرائيل، مثل ضرورة إبادتها ومحوها عن الخريطة، وإطلاق اسم “الشيطان الأصغر” عليها مقابل “الشيطان الأكبر” لأميركا، فإن السياسة الخارجية الإيرانية تخضع هذه المسألة لاعتبارات عملية أكثر منها شعاراتية، وهو ما يظهر بوضوح منذ عملية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي، واتضح جلياً خلال الأشهر الماضية أن إيران تتعامل مع هذه القضية من منظور نفعي واستراتيجي، بوصف تهديدها المفترض لإسرائيل، مجرد ورقة مساومة لانتزاع تنازلات من الغرب في قضايا تخص المصالح الإيرانية الأخرى، مثل برنامجها النووي، ودورها الإقليمي، خاصة أن القضية الفلسطينية تخص طرفاً عربياً خالصاً، ولا تتقاطع مع الطموحات القومية الإيرانية الفارسية، حتى من الناحية الدينية، بالنظر لاختلاف المذهب الديني أيضاً بين الفلسطينيين وإيران.

مع إدراك إسرائيل وإيران لحدود وأهداف الطرف الآخر، حيث لا تهديد جدياً ومباشراً لأي منهما، بسبب البعد الجغرافي، فضلاً عن الفارق الهائل في المساحة وعدد السكان.

توافق إيراني إسرائيلي على دعم نظام الأسد 

وخلافاً لما اعتاد قوله السياسيون والناشطون في المعارضة السورية، فإن إيران وإسرائيل ليستا على توافق بالنسبة لأهدافهما في المنطقة، لكن تسعى كل منهما إلى الهيمنة عليها مستفيدتين من عدم وجود قيادة عربية فاعلة، ما ترك المنطقة نهبا لأطماعهما، وهما في حمأة الصراع والتنافس بينهما، قد تتفقان على بعض الأهداف “الثانوية” مثل توافقهما على دعم نظام بشار الأسد، ومنع الإطاحة به من جانب المعارضة السورية، نظراً لأنه يخدم إيران كذراع وساحة لمخططاتها في المنطقة، ويخدم إسرائيل بضبطه الحدود طوال العقود الخمسة الماضية، مقابل عدم التعرض الإسرائيلي والأميركي للنظام. 

وكما أشرنا سابقاً، إلى أن إيران في تقييمها لنفسها كدولة ضاربة في عمق المنطقة، لا تنظر لإسرائيل إلا كذراع للغرب، وهي في معرض مناكفاتها للغرب للاعتراف بدورها الإقليمي، كثيراً ما تفضل مخاطبة الغرب نفسه مباشرة، والولايات المتحدة بالذات، وليس عبر الذراع إسرائيل، إلا حين تكون الأخيرة وسيلة للضغط على الغرب وابتزازه.

وتلفت دراسة أعدها الباحث الإسرائيلي جاد يائير مع باحث إيراني فضل عدم الكشف عن هويته، إلى الهواجس الإيرانية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، حيث تسعى إيران لتحصين نفسها (عبر امتلاك قنبلة نووية واسلحة أخرى) لضمان عدم المس بها من جانب القوى الكبرى، وتوسيع دورها الإقليمي، وهو ما تحاوله إسرائيل أيضاً بإمكاناتها الذاتية أو عبر تحالفها مع الغرب، تحت ضغط هاجس تعرضها للإبادة والفناء مع استمرار حالة العداء لها من جانب محيطها العربي. 

ومع إدراك كل جانب لحدود وأهداف الطرف الآخر، حيث لا تهديد جدياً ومباشراً أي منهما، بسبب البعد الجغرافي، فضلاً عن الفارق الهائل في المساحة وعدد السكان، فإن الاحتكاكات الأخيرة بين الجانبين تأتي في إطار استعراض القوة، واختبار الخطوط الحمر، والقصد منها الاستعراض وإظهار القدرة، أكثر منه المس حقيقة بالطرف الآخر، بغية الحفاظ على مستويات الردع الراهنة.

 

 

شارك هذا المقال



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى