سوريا

هل يساهم تطبيق القرار 623 بتأمين فرص عمل لخريجي جامعات إدلب؟



أفضتْ احتجاجات طلبة المعاهد والجامعات في شمالي غربي سورية، إلى تفعيل وتطبيق القرار رقم 623 الصادر بتاريخ 14/11/2022 عن حكومة الإنقاذ. وينص القانون على حرمان خريجي الجامعات والمعاهد السورية الكائنة في المناطق التي يسيطر عليها النظام، من حقهم في التعيين في مؤسسات القطاع العام، وفيما يتعلق بالقطاع الخاص، نص القانون أيضًا على حرمانهم من الحصول على رخصة مزاولة مهنة. الأمر الذي أسفر عن إغلاق عدد من الصيدليات، وسيؤدي بعد تشكيل لجان خاصة بهذا الشأن إلى إغلاق المزيد منها ومن العيادات الطبية الخاصة.

فريق المحتجين يرى أنّ هؤلاء الخريجين يستولون على فرص عملهم، واعتبر أنّه حقق انتصارا على هذا الصعيد، حيث استجابت الحكومة لطلباتهم وفعّلتْ تطبيق القرار المذكور.

ولا شك أنّه من حق الطلاب الدارسين في جامعات الشمال السوري المطالبة بتأمين فرص عمل لهم، كما أنّه من واجبنا دعم هذا المطلب المشروع والوقوف إلى جانب الطلبة. غير أنّه في المقابل لا بدّ من الاعتراف بأنّ تطبيق هذا القرار أوقع ضررًا واضحًا على شريحة حُرمتْ هي الأخرى من حقها في العمل سواء في القطّاع العام أو الخاص، هذا الحق الذي صانته مختلف القوانين والشرائع. وأدى القرار إلى فقدان مصدر دخلٍ ربما يكون الوحيد لعائلات هؤلاء. الأمر الذي يقتضي إعادة النظر بهذا القرار ومفاعيله والتعامل معه بواقعية بعيدًا عن الحلول غير المجدية.

وهنا لا بد من التساؤل هل سيفضي تطبيق هذا القرار إلى حلّ مشكلة خريجي جامعات الشمال ومساعدتهم على إيجاد فرص عملٍ لهم، علمًا أن خريجي جامعات مناطق النظام لا يتجاوزون بأعدادهم العشرات أو أكثر قليلاً.

في الواقع لن يكون تطبيق القرار المذكور حلّاً مجديّا لحل هذه المشكلة التي تتطلب جهودا كبيرة لحلّها، خصوصاً في ظل ظروف الحرب المستمرة التي تتعرض لها البلاد. بل على العكس تماماً، سيساهم تطبيق القرار بخلق انقسام جديد في المجتمع يضاف إلى جملة من الانقسامات الحاصلة. في وقتٍ أحوج ما نكون فيه إلى تضافر الجهود والعمل على تعزيز عوامل الاستقرار ودفع جهود التنمية والاستثمار في المنطقة إلى الأمام. وذلك إنما يتم من خلال استقطاب العقول والقوى الاقتصادية والفكرية وتأمين البيئة الصالحة لها، لتكون رافداً جديداً لعملية البناء التي تتطلب العمل بقاعدة الكفاءة بدلاً من قاعدة الولاء.

أمّا فيما يتعلق بتأمين فرص عمل لخريجي الجامعات بغض النظر عن مصدرها، فيمكن اختيار الأفضل والأجدر منهم من خلال إجراء مسابقات تعتمد معايير منطقية تستند إلى قدرات المتقدمين العلمية وكفاءتهم العملية بالدرجة الأولى. الأمر الذي ينعكس إيجابيّا على كافة الصعد، ويمنح الشعور بالعدالة للمتقدمين من حيث أسلوب انتقائهم، أمّا فيما يتعلق بممارستهم لمهنهم ضمن القطاع الخاص، فيتوقف نجاحهم على مستواهم العلمي وكفاءاتهم الشخصية.

ويجدر بنا الوقوف عند الظروف المحيطة التي كانت سبباً باستمرار الطلبة بدراستهم في الجامعات السورية الواقعة في مناطق النظام، حيث لعب عدم استقرار المنطقة والاستهداف المستمر لها من قبل قوات النظام، دوراً مهماً في عدم نضوج العملية التعليمية خصوصا العليا منها في هذه المنطقة، يضاف إليها عدم حصول الجامعات في الشمال السوري على الاعتراف الرسمي بها من قبل المؤسسات الأكاديمية التقليدية سواء الإقليمية منها، أو الأممية.

ولا بد أنْ نشير إلى أنّ الجامعات السورية، خصوصًا جامعتا دمشق وحلب، هي جامعات موجود قبل وجود النظام، وتمتاز بعراقة علمية لا يمكن إنكارها، وتخرّج منها كبار المثقفين والمفكرين المعارضين للنظام وسياساته، كما أنّها رفدتْ الثورة السورية بعدد كبير من طلبتها الذين ساهموا بانطلاقة الثورة في مرحلتها الأولى.

ختامًا أعتقد أنّه من الأجدى العمل على تحسين مستوى التعليم في جامعاتنا، والسعي الدؤوب لنيل اعترافات رسمية بشهاداتها، ما يؤدي إلى استقطاب شبابنا للانضمام إليها، وذلك بدلا من سياسة الإقصاء التي لن تقنع أحداً ممن وقع عليه الضرر بأي مبرر لقطع سبل رزقه ومعيشته، وبحرمانه من حقه المشروع في العمل الذي كفلته له كافة القوانين والشرائع، الأمر الذي يساعده على البقاء بين عائلته وأهله مطمئنا على مستقبله ومستقبل أطفاله، بدل الدفع به للهجرة التي أوقعت بمجتمعنا خسائر فادحة.

شارك هذا المقال



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى