سوريا

التمرد والمقاومة في بلاد الرافدين وسوريا القديمة.. سقوط دول وقيام أخرى


“التمرّد والمقاومة في الشرق القديم.. بلاد الرافدين وسوريا في الألف الثاني قبل الميلاد”، كتاب صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة أطروحات الدكتوراه، للباحث الأكاديمي حكمت درباس. ويشتمل الكتاب على ستة فصول تتمحور حول تيمة التمرد والثورة والمقاومة في الشرق القديم وبلاد الرافدين والشام في الفترة 2000-1200 ق. م. وما صاحبها من سقوط دول وقيام أخرى.

استغرقت ولادة الكتاب الذي جاء في 328 صفحة، وفق مؤلفه درباس المتخصص في اللغات الساميّة؛ عدة أعوام وعلى مراحل متقطعة، توزّعت بين الدراسة في حلب والأطروحة في لايدن الهولندية والعمل في أوهايو الأميركية، وقد أفاد هذا التقطع الزمني مادة الدراسة كثيرًا؛ إذ سمح خلالها بتلقي الملاحظات والنصائح العلمية من أصدقاء وأساتذة أكاديميين من جامعتَي الكويت ولايدن تخص الجانب المفاهيمي في التاريخ القديم، وخصوصًا طاقم مكتبة مركز دراسات الشرق الأدنى في الجامعة الهولندية الرائدة عالميًّا، ومجموعة مصادرها ومراجعها القيّمة التي سمحَت له بِردم ثغرات كثيرة في نسخة العمل الأولى.

6786799

ويذكر المؤلف أن فكرة الكتاب انقدحت في ذهنه أول مرة حينما قرأ نصًّا بابليًّا قديمًا عن عقوبةِ مناطقَ متمردةٍ، بتهجير سكانها جَماعيًّا وسبي نسائها وإلحاق المتبقين من رجالها بعمل السُّخرة؛ وهي عقوبة هدفها الأساس محو الذاكرة الجماعية وتفكيك البنية الاجتماعية، كتلك التي لا تزال تمارسها الدول الشمولية والاستعمار الغربي في العصور الحديثة. ومع اندلاع احتجاجات الربيع العربي، تعززت لدى المؤلف أكثر فكرة الشروع في الكتاب، فغاص في البحث عن أمثلة التمرد والاحتجاج والمقاومة الأولى والأساطير والدين في الشرق القديم وبلاد الرافدين والشام والتاريخ السياسي لهذه المناطق بخطوطه العامة، في مواد الجامعات الغربية وأرشيفاتها، التي وإن كانت كثيرة فإن الغموض وتبعثر المعلومات في موضوع علاقة الدولة بالخارجين عليها والمناوئين لها لا يزالان يكتنفانها. وقد أراد لمؤلَّفه الجديد هذا أن يخرج بأجوبة شافية عن الأسئلة الملحّة التالية: كيف كانت أشكال التمرد القديم ودوافعه؟ هل رفعت احتجاجاتٌ شعاراتٍ تخصّ العدالة وما شابهها؟ هل كان الأقدمون أكثر قسوة مع الخصوم؟ وغيرها. فخرج كتابه صورة بانورامية تحليلية لبلاد الرافدين وسوريا في الألف الثاني قبل الميلاد، من خلال وثائق أصلية مسمارية باللغات الأكدية والمصرية والحثية والسومرية، تتناول عينات من التمرد، فناقش حيثياتها وجذورها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ونتائجها في المراسلات والنقوش الملَكية والمعاهدات والحوليات، كما وضعها في سرد تاريخي متماسك من الألف الثاني قبل الميلاد حتى انهيار الهيمنة الأجنبية على سوريا، مع تقسيم تلك الحقبة عصرين: عصر السيادة المحلية (البابلي القديم) وسيطرة الأموريين قرونًا خمسة على بلاد الرافدين وسوريا، وعصر الحكم الإمبراطوري الأجنبي وسيطرة سلالات وقوى خارجية.

أسباب التمرد وأصحابه وإفرازاته وسماته

أما عن أسباب التمرد والمقاومة ودوافعهما، فقد رصد البحث منها أمثلة كثيرة وقعت غالبيتها في خانة “المحاولات الانفصالية” التي كانت تساندها دول كبرى، أو بعضها، في ذلك الزمان، أو حتى ترفض مساندتها، كما حدث حين راسل حكام كنعان الخاضعين لمصر ملك بابل طلبًا لدعمه في الانتفاض على مصر لكنه رفض طلبهم كي لا يضحّي بعلاقاته الطيبة مع ملكها.

وجاءت تمردات البدو في المرتبة الثانية، فهم كانوا تشكيلات سياسية أقل نضجًا لم تنجح في التحوّل دولًا منظَّمة، فمع سَوْقهم إلى التجنيد الإجباري خلال عمليات التوسع وما نتج منه من تعطيل دورة حياتهم الاقتصادية التقليدية، تجمعوا في بلاد الرافدين وأطراف الشام ونجحوا في زعزعة الاستقرار، وأحيانًا أطاحوا سلالات حاكمة بالتحالف مع قوى إقليمية، لكنهم كانوا دومًا يخرجون صفر الأيدي من أي صراع ويعودون تبعًا لغيرهم كما كانوا.

أما العاديون من الناس، وهم السواد الأعظم، فلم تذكر النصوص تمردًا يُذكر لهم؛ لأن التركيز ينصبّ على رؤوس التمرد عادة، ولا يعني هذا عدم انخراطهم في الحوادث، ولكنهم لم يكونوا ذوي أثر يُذكر في مجريات الأحداث.

وقد أفرزت حوادث التمرد ما نسميه في عرفنا الحالي ظاهرة “اللجوء السياسي”؛ إذ نجد أمثلة لبعض الناجين من زعماء التمرد فروا إلى دول مجاورة وحصلوا فيها على حق الإقامة، وكانت الأبواب توصد في وجوه بعضهم ويُعتبَرون غير مرحَّب بهم، وكذلك نقرأ عن لاجئين سياسيين جرى تسليمهم في صفقات بين الحكّام الكبار. ولم يكن التهجير يشمل الرؤوس فقط، بل إن رد فعل السلطة على المهزومين كان أحيانًا تهجير مناطق بأكملها، بل استبدال سكانٍ آخرين بسكانها، وهي سياسة صيّرها الآشوريون نهجًا في الألف الأول قبل الميلاد؛ ما خلّف جموعًا غفيرة من اللاجئين، إضافة إلى عقوبات أخرى، كهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وإحراقها، والتمثيل بجثث الخصوم لجعلهم عبرة لغيرهم، كتقطيع جسد زعيم التمرد والطواف به على المدن، أو بناء تلّ قبرِيّ على جثته لتتّعظ به الأجيال التالية. ولم يكن مَن ينفّذ هذه الإجراءات في معظم الحالات الحاكمَ بنفسه، بل كان يوكّل بها قبائل حليفة.

وفي المجمل، لم تكن ثمة في الشرق القديم وبلاد الرافدين والشام تمردات أو ثورات عارمة على غرار تلك التي عُرفت في الإمبراطوريات الكبيرة، ومنها الإسلامية؛ والسبب على الأرجح النطاق الجغرافي الضيق للسيطرة والإلحاق الذي لم يكن يسمح بتدمير مجتمعات وطبقات وتشكيل أخرى، كما حدث في ثورات جموع العبيد والأقنان وقوى السُّخرة في روما والإمبراطورية الإسلامية .كان مهْدَ التمردات المناطقُ التي حُوِّلت طرفًا وهُمّشت، ووقف وراءها السادة السابقون الذين حُوِّلوا أتباعًا ومأمورين، وأحيانًا عبيدًا، كسوريا في عصر النفوذ الأجنبي، التي استثمر بعض زعمائها الصراع بين الحثيين والمصريين ليستقلوا شكليًّا عن الطرفَين.

وثائق البحث

الوثائق التي استعان بها المؤلف كتبَها جميعًا أصحاب سلطة وصُنّاع قرار، وفيها يُلاحظ بوضوح تصنيفُ هؤلاءِ أصحابَ أيِّ تحرك احتجاجي “متمردين وغوغاء وهمجًا وأصحابَ سلوك حيواني وصُمًّا تجب إعادتهم إلى رشدهم وتهدئتهم كما تهدّئ الأم طفلها”. وكل ذلك لتبرير العمل العسكري ضدهم، في حين لا توجد في النصوص أيّ معلومات مفصّلة عن الشعارات التي اعتمدها المتمردون والمحتجّون، سوى إحالات تشير إلى “العدالة” و”الخلاص” و”لَمّ شمل المشتّتين”، وغيرها.

الاستعانة بالدين قديمًا كما حديثًا

وكانت الملوك تستعين أيديولوجيًّا في الصراع مع الخارجين عليها بالنصوص الدينية، وخصوصًا “محفوظات ماري”، التي تضمّنت نبوءات وكلامًا ادُّعِيَ أن مصدره الوحي والأنبياء، يصور الآلهة تقف الى جانب أصحاب السلطة وتؤازر الجيوش وتدوس الخصوم “الشريرين والغادرين والضالين” وتسحقهم. أما الطرف المتمرد، فاستخدم الخطاب الديني أيضًا، فهناك إشارات إلى اجتماعات في المعابد وتلقّي أوامر إلهية.

الإشارات الأولى إلى التمرد في الوثائق القديمة

كان التمرد شائعًا في الشرق القديم، وأقدم إشارة إلى تمردٍ وردت في أحد نقوش حكّام سومَر وأكد في الألف الثالث قبل الميلاد، وفيه يدعو ملك لجش السومري إنمْتينا (Enemtena) على خصمه أن “يقتله سكان مدينته بعد أن يتمردوا عليه”. وشكّل ما سُمّي “التمرد الكبير” على نَرام-سين الأكدي مصدر إلهام في العصر البابلي القديم، فأُعيد استنساخ النصوص المتعلقة به في عدة مدن، كما ذُكر التمرد في الأساطير والملاحم أيضًا، ففي “قصة الطوفان” في الأسطورة (أتراحاسيس) ورد ذكر تمرد الآلهة الأدنى “أيجيجي” (Igigi) على الآلهة الأعلى مقامًا “آنونّاكي” (Anunnaki)، وفي (أسطورة التكوين) ورد ذكر تمرد الإلهة تِيامَت (Tiamat) على الآلهة الأخرى.

الألف الثاني قبل الميلاد غني بالوثائق الكتابية، التي تشير إلى هجرات كثيرة وصعود دول متباينة عرقيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا، وقد أمدّت الاكتشافات الأثريةُ البشريةَ بمعطيات مفصّلة عن البيئة السياسية للشرق القديم، من حيث السلالات والدول والحروب، لكن الغموض لا يزال يشوب علاقة السلطة ونظرتها إلى المحكومين، وإذا ما كان مفهوم” العدالة” متداولًا آنذاك، وكيف كان توسع السلطة ومركزيتها يؤثران في المجتمع وتركيبته السكانية، وأماكن التمردات، وأسبابها، ومدى نجاحها وفشلها، وكيفية تعامل السلطة مع المقاوِمين والثائرين، وغيرها من المواضيع التي سعى كتاب التمرد والمقاومة في الشرق القديم إلى الإجابة عنها اعتمادًا على مصادر أصلية بالدرجة الأولى، ومن خلال توظيف نظرية “المركز والأطراف” إطارًا .

طرْق موضوع الكتاب عربيًّا وأجنبيًّا

عربيًّا، لم يحظ موضوع التمرد في فترة الدراسة باهتمام كبير، وقد ورد في مقالات متفرقة ومقتضبة، ومنشورات تاريخية عامة، ومؤلفات جامعية تعليمية مجملة، أما أجنبيًّا، فعلى الرغم من وفرة الدراسات، فإنها متفرقة، وضمن دراسات تخصصية وأعمال تُعنى بالتاريخ السياسي العام أو بالجانب الدعائي والأيديولوجي، ولم يظهر فيها حتى الآن بحث شامل يغطي بإحاطة كاملة الفترةَ المعنية، خلافًا لتمردات الألف الأول قبل الميلاد (من الإمبراطورية الآشورية الحديثة إلى روما)، وبناء عليه يكون بحث الكتاب الذي بين أيدينا محاولةً أولى في هذا المجال تعتمد على المصادر الكتابية الأصلية وأحدث المنشورات الأكاديمية الغربية.

أهمية الكتاب

يكتسي الكتاب أهمية استثنائية، فإلى جانب أنه يسدّ ثغرةً كبيرة في حقل دراسات الشرق القديم، وتحديدًا في العراق وسوريا، بعد أن باتت المكتبة العربية تعاني نقصًا ملحوظًا في الدراسات التاريخية واللغوية ذات العلاقة، فإنه يناظر آخر النشاطات البحثية الواسعة في الجامعات الغربية. ويعود سبب هذه الثغرة إلى ضعف الترجمة في العالم العربي الذي ساهم في تعميق المشكلة، وإلى التشوّش الذهني عن فكرتَي التمرد والثورة في الأدبيات العربية الحديثة. فقد يحمل مصطلح “تمرد” دلالة سلبية في أذهان البعض، لتصوير السلطة إياه مساويًا للعقوق، في حين يتخذ مصطلح “ثورة” في الغالب دلالة إيجابية، لِما يستبطنه من البحث عن عدالة مفقودة، وهو فهم يعود غالبًا إلى فترة التحرر من الاستعمار والثورات الفرنسية والبلشفية والصينية. ومع أحداث “الربيع العربي” ظهرت مفاهيم حول التمرد تصفه بأنه “ثورة” لكن مآلها كان الفشل، أما في الكتاب فيُستخدم مصطلح “تمرد” بمعنى حيادي لا يحمل دلالة سلبية تنزع الشرعية عن طرَف وتضفيها على آخر، كما توضع كلمتا “تمرد” و”ثورة” في الحقل الدلالي ذاته، وتحيلان إلى المعنى الأوّلي، وهو “رفض وضع ما” أو “الاحتجاج عليه”. ويعرض الكتاب أيضًا للتمرد بمعناه الواسع، ومن ضمنه الانقلابات في البلاط الحاكم، واحتجاجات الأطراف التابعة أو الموالية خارج حدود الدولة، وهي الكيانات المرتبطة بالدولة من خلال معاهدات الولاء. ويعتمد نظرية “تحليل النُّظُم العالمية” (World-Systems Analysis) إطارًا للبحث، وهي تقارب التاريخ من زاوية جدلية تركز على علاقة المركز بالأطراف، طوّرها إيمانويل فالرشتاين Immanuel Wallerstein، الذي قسّم العالم في فترة بروز الرأسمالية الحديثة (بين سنتَي 1450 و1640) ثلاث مناطق: مركزية وشبه طرفية وطرفية، تُحدَّد منزلة كلٍّ منها وفقًا لدرجة تحكُّمها في النظام العالمي، المركز فيها هو الصناعي المتطور، والطرف يمثّل المنطقة المتخلفة الفقيرة المصدّرة للمواد الخام والمستغَلة من المركز، أما شبه الطرف ففي منزلة بين المنطقتين. وجاء بعد فالرشتاين من عدّل نظريته وطبقها على الأنساق ما قبل الرأسمالية، فقد صقل ديفيد ولكنسونDavid Wilkinson نظرية “جدلية المركز والأطراف” فحدد سمات مناطق فالرشتاين الثلاث قبل الحداثة بأن المركز يمثل الثراء والتقدم والقوة، بينما يرتبط شبه الطرف بالمركز بقوة ويكون أقل أهمية منه وأضعف وأفقر وأكثر تخلُّفًا، ويكون الطرف ضعيفَ الارتباط بالمركز، ويضم البدو الرحّل وفلّاحي الريف الذين يعيشون على الكفاف ولم يلتحقوا بالمدنية. أما جورج مودلسكي George Modelski ووليام طومبسون William Thompson، فقد أرجعا أصول النظام العالمي الجديد ألف عام، أي إلى إمبراطوريات أوراسيا وأفريقيا، كالإمبراطوريات الإسلامية، في حين أرجعه باري غيلس Barry Gills وأندري غوندر فرانك Andre Gunder Frank خمسة آلاف عام، بما يشمل فترة الدراسة: الشرق القديم، فترة نشوء الدول الإقليمية في بلاد الرافدين ومصر وسوريا وآسيا الصغرى وإيران. وعلى الرغم من اكتفاء غيلس وفرانك بالخطوط العامة للنظام العالمي آنذاك وإهمالهما التفصيلات، فإن كتاب التمرد والمقاومة في الشرق القديم – بلاد الرافدين وسوريا في الألف الثاني قبل الميلاد يعتمد رؤية هذين المؤلفين مع بعض التعديلات.

وقد قسّم الكتابُ بلادَ الرافدين وسوريا في الإطار الزمني للبحث (الألف الثاني قبل الميلاد) على النحو الآتي: في النصف الأول من الألف الثاني (العصر البرونزي الوسيط أو عصر الممالِك الأمورية) كانت هناك دول قوية متقدمة اقتصاديًّا وعسكريًّا وثقافيًّا مثّلت المركز، بينما مثّلت المناطق الأضعف في الخصائص الثلاث شبْهَ طرف أو طرفًا يخضعان مباشرة للمركز. لكنّ المعادلة تغيّرت كليًّا في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، فتحوّلت سوريا برمتها إلى شبه طرف يتبع مراكز جديدة، كمصر وميتاني وخاتي والأناضول (الإمبراطورية الحثية). وقد شكّلت الإدارة المصرية لسوريا نموذجًا واضحًا وشديد المركزية للاستلاب؛ فلم يُسمح بأيٍّ من أشكال الاستقلال السياسي، خلافًا لعلاقة خاتي وميتاني مع كياناتهما شبه الطرفية؛ إذ منحتاها درجة من الاستقلال الشكلي. وعليه، فإن التمرد في الألف الثاني قبل الميلاد لم يكن تقليديًّا، أي في داخل المركز، بل من المناطق شبه الطرفية والطرفية على حكامها المعيَّنين أو على المركز نفسه.

منهج البحث

يستقرئ البحث المصادر الكتابية الأصلية، ومعظمها أكدية، وبدرجة أقل سومرية وحِثّية ومصرية، واحتوت المصادر على: رسائل (وهي الأهم)، ونقوش ملَكية، وسجلات اقتصادية وإدارية، ومعاهدات وأسفار الأخبار والحوليات. وقد ترجم المؤلف الشواهد الأكدية إلى العربية، وأوردها “مُنَقحرة”، أي بموجب النقل الحرفي والتمثيل الصوتي المتعارف عليه بين علماء الآشوريات، أما الشواهد باللغات السومرية والحثية والمصرية، وهي أقل، فاعتمد لها الترجمات الأجنبية لعدم معرفته بها، مع اتّباعه اختصارات أهل الاختصاص عند إرادته الإحالة إلى النصوص الأصلية. واستخدم البحث “المنهج التأريخي الوسيط” الذي يعتمد على تحديد فترة حكم حمورابي في بابل بين عامي 1792 و1750ق. م.

عرّب المؤلف المئات من أسماء العَلَم للأشخاص والأماكن والآلهة التي قد يكون معظمها غير مألوف لدى المتخصصين والقراء العرب، مراعيًا في ذلك أحرف المد والحركات القصيرة؛ فيذكر الاسمَ بحسب التمثيل الصوتي أولَ مرة بين معقوفين […] ثم يُكتفى بالصيغة المعرّبة بعدها، مثلًا: يَخْدُن-ليم [Yaḫdun-Līm] بدل “يخدون-ليم” (أصله يَعْدُن-ليم، من الجذر “عدن”، بمعنى الوفرة والغنى). ويذكر اسم المكان الحديث والمعروف في المرة الأولى بين هلالين (…) بعد التمثيل الصوتي، مثلًا: قَطْنا [Qaṭna] (تل المشرفة بالقرب من حمص)، بينما أبقى البحثُ الأسماءَ المتفق على حالها.

يتناول القسم الأول من الكتاب التمرد والمقاومة في العصر البرونزي الوسيط (2000-1550ق. م.) وفيه هيمنَت الممالك الأمورية على بلاد الرافِدينِ وسوريا، ويشتمل القسم على ثلاثة فصول:

  • الفصل الأول: يناقش سقوط سلالة أور الثالثة حتى نهاية عهد يَخْدُن-ليم ملك ماري (تل الحريري)، ويتخلله موجز تاريخي عن الأموريين وأصولهم، ويتناول تمردات مناطق سومر وأكد ومناطق البدو عليهم.
  • الفصل الثاني: يقدّم نبذة عن تاريخ تأسيس مملكة سَمْسي-أدّو (تُعرف أيضًا باسم “مملكة بلاد الرافدين العليا”)، وتمردات المناطق الشرقية والغربية ثم مناطق البدو عليها، وصولًا إلى سقوطها.
  • الفصل الثالث: يستعرض الفترة الممتدة من سقوط مملكة سمسي-أدّو حتى نهاية عصر الممالك الأمورية (ماري في عهد زِمري-ليم، وبابل في عهدَيْ حمورابي وابنه سَمْسو-إيلونا، ويَمْخَد في عهود خلفاء يريم-ليم الأول).

ويناقش القسم الثاني من الكتاب التمرد والمقاومة في أواخر العصر البرونزي في ظل التنافس بين مصر وخاتي وميتاني وبابل وآشور، ويعتمد من المصادر على “مراسلات العمارنة”، و”نصوص أوجاريت (رأس شمرا) وختوشا (بوغازكوي في الأناضول) وإيمار (مَسْكَنة)، وألالاخ (السوية السابعة)، والنقوش الملكية الآشورية. ويشتمل كذلك على ثلاثة فصول:

  • الفصل الرابع: يشكّل مدخلًا تاريخيًّا لفهم ملامح ذلك العصر وقواه السياسية، فيتناول ملابسات أفول ممالكه الأمورية بسبب الحملات الحثية وحلول ميتاني ومصر مكانها أولًا ثم خاتي وآشور بعدهما.
  • الفصل الخامس: يعرض لتمردات سوريا على الحكم الأجنبي الميتاني والحثي والمصري في حلب أولًا وصولًا إلى بقية المناطق وبداية فترة العمارنة وما بعدها.
  • الفصل السادس: والأخير يسلّط الضوء على قيام الإمبراطورية الآشورية الوسطى بعد نهوض آشور ومقاومة ميتاني وتمرد بابل، وحتى التمرد في الأيديولوجيا الملكية الآشورية.



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى