سوريا

من هم مستوطنو الضفة الغربية ولماذا تسببوا بالعنف طوال عقود؟



في الأول من شباط، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً تنفيذياً يقضي بفرض عقوبات على أربعة أفراد وذلك لتقويضهم السلم والأمن والاستقرار في الضفة الغربية. فقد تصاعد العنف هناك كثيراً منذ السابع من تشرين الأول. وفي الحادي عشر من تشرين الأول قتل مستوطنون أربعة فلسطينيين في بلدة قصرة، كما أطلق أحدهم النار على فلسطينيين آخرين فأرديا قتيلين خلال موكب تشييع. وبحلول تشرين الثاني، أجبر 860 فلسطينياً على النزوح من بيوتهم بحسب ما أوردته الأمم المتحدة. إذن من هم مستوطنو الضفة الغربية؟ ولماذا تسبب وجودهم بظهور العنف طوال عقود؟

المستوطنات هي عبارة عن تجمعات سكنية تجمع بين شكل المدن والقرى بناها اليهود الإسرائيليون على أرض محتلة خارج حدود إسرائيل المعترف بها دولياً، إذ ظهرت مستوطنات في السابق في كل من سيناء المصرية وفي غزة أيضاً. أما اليوم فهناك عدد ضئيل من المستوطنات في مرتفعات الجولان المحتلة من الأراضي السورية، إلا أن الغالبية الساحقة من المستوطنات موجودة في الضفة الغربية.

المستوطنات في المنظور الإسرائيلي

أقيمت أولى مستوطنات الضفة الغربية في عام 1967 عندما احتلت إسرائيل تلك الأرض عقب حرب النكسة التي خاضتها ضد سوريا ومصر والأردن، فمولت الحكومة الإسرائيلية وقتئذ بعض تلك المستوطنات ووافقت على قيامها، وذلك بمساعدة المنظمة الصهيونية العالمية. واعتبر بعض المستوطنين بأن لهم حقوقاً دينية في تلك الأرض، في حين رأى آخرون بأن كل ما فعلوه هو استعادة أملاكهم التي خسروها في الحرب التي خاضتها إسرائيل مع دول الطوق العربي. أما ليفي إشكول الذي كان وقتئذ رئيس وزراء إسرائيل فرأى في الأراضي المحتلة ورقة للمساومة في أي مفاوضات ستجري مستقبلاً مع الفلسطينيين. ورأى بعض المسؤولين في حكومته بأن المستوطنات بوسعها أن تعمل عمل حاجز أمني عازل بالنسبة لإسرائيل.

بيد أن الإجماع الدولي استقر على أن الاستيطان أمر مخالف للقانون، إذ في عام 1993، حرمت اتفاقيات أوسلو التي أبرمت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بناء مستوطنات جديدة، غير أن المستوطنين سارعوا لبناء المستوطنات من جديد، إذ خلال عقود ثلاثة أتت بعد توقيع تلك الاتفاقية، زاد عدد المستوطنات قرابة ثلاثة أضعاف، ومعظمها أقيم من دون موافقة الحكومة، وبعضها حصل على موافقة ذات أثر رجعي.

 

يعيش الآن 460 ألف إسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية (ويستثنى من ذلك من يعيشون في القدس الشرقية) وهذه المستوطنات تعتبر الأقرب للحدود. ونحو ثلث هؤلاء المستوطنين أتوا واستوطنوا بناء على أيديولوجية الاستيطان التي يتبنونها، ولذلك نجد بأن أغلبهم يعيش متوغلاً في الضفة الغربية ويتمتعون بدعم شعبي كبير في إسرائيل، وما برحت أعدادهم تتزايد، إذ خلال الشهور الستة الأولى من تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية في إسرائيل والتي يرأسها بنيامين نتنياهو، تمت الموافقة على بناء 12 ألف وحدة سكنية جديدة للمستوطنات في الضفة الغربية وذلك بحسب ما أعلنته منظمة السلام الآن الإسرائيلية المعنية بأمور المناصرة.

هجمات إرهابية لحماية المستوطنات

لم تسجل حوادث عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين بشكل دقيق حتى ثمانينيات القرن الماضي، أي عندما تحول هؤلاء إلى مشكلة واضحة المعالم، فقد عقد وقتئذ التنظيم اليهودي السري الإرهابي العزم على تدمير اتفاقية كامب ديفيد، الموقعة بين إسرائيل ومصر في عام 1978 والتي منحت الفلسطينيين حكماً ذاتياً، وذلك لأن هذا التنظيم خشي من أن تؤدي هذه الاتفاقية إلى استقلال الضفة الغربية مما يهدد وجود المستوطنات. وهكذا خطط التنظيم لتفجير مسجد قبة الصخرة في القدس الشرقية الذي يعتبر من أقدس الأماكن الإسلامية. ولكن بعد هجوم الفلسطينيين على طلاب إسرائيليين في عام 1980، نفذ ذلك التنظيم الإرهابي سلسلة من عمليات التفجير التي استهدفت رؤساء بلديات عرب، بيد أن هذا التنظيم لم يكتف باستهداف السياسيين، إذ في عام 1983 قتل ثلاثة طلاب عرب وجرح أكثر من ثلاثين آخرين في هجوم على جامعة الخليل بالضفة الغربية.

في عام 1993، وبعد نهاية الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي قام خلالها الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، ظهرت من جديد هجمات نفذها مدنيون إسرائيليون ضد فلسطينيين، فقد حصل المستوطنون على سلاح من الجيش الإسرائيلي حتى يدافعوا عن أنفسهم، وفي ذلك العام، وثقت منظمة بتسليم الإسرائيلية الحقوقية زيادة ملحوظة في عنف المستوطنين، إذ كثرت حالات إطلاق النار والضرب وقطع الطرقات والتخريب المتعمد للممتلكات العامة، والتي شكلت حالات دفاع المستوطنين عن أنفسهم فيها نسبة ضئيلة فحسب، وذلك لأن معظم الهجمات كان هدفها ترويع الفلسطينيين الذين يعيشون بين المستوطنات. كما استمر العنف المنظم، إذ في عام 1994 قام باروخ غولدشتاين، وهو مستوطن عضو لدى حركة كاخ اليمينية المتطرفة، بإطلاق النار في مسجد بالخليل فقتل 29 فلسطينياً.

لم يتراجع عدد الهجمات إلا في السنوات الأخيرة، حيث وثقت أكثر من 1400 هجمة ما بين عامي 2005-2021 بحسب ما أعلنته منظمة ييش دين الإسرائيلية المعنية بأمور الرصد والرقابة. كما أسقطت السلطات الإسرائيلية أكثر من 90% من الشكاوى التي رفعت بهذا الخصوص من دون توجيه أي اتهام لأحد بما أنها هي من يقوم بفرض النظام والقانون في مناطق الاستيطان. وهكذا أصبحت أساليب المستوطنين في العنف أكثر تنوعاً، إذ خلال السنوات الماضية، قام بعضهم باقتلاع أشجار الزيتون خلال موسم الحصاد، فحرموا بذلك معظم العائلات الفلسطينية من مصدر دخلها، وتصاعد التوتر جراء ذلك، ولذلك يخشى كثير من المراقبين من قيام انتفاضة أخرى في الضفة الغربية بما أنها برأيهم أصبحت وشيكة.

المصدر: The Economist

شارك هذا المقال



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى