سوريا

الحوامل المعرفية لنظام الحكم في سوريا.. قصف ومخدرات وتجنيد مرتزقة



لا يكاد يمرُّ أسبوع من دون أن يكون هناك قصف أو استهداف للداخل السوري في عمليات عسكرية فاضحة، تدل على انكشاف هذا النظام الحاكم وعجزه عن الحفاظ على الحد الأدنى من السيادة لمنطق الدولة ولشرعيتها الإقليمية والدولية، وقبل كل شيء الشرعية الداخلية التي يسْعى الشعب السوري إلى تثبيتها في وجه العواصف الأجنبية، التي تتقاسم خيرات المجتمع السوري وتُهيمن على جغرافيته وموارده ونفطه.

فهي معضلة خطيرة، بعد أن تشلَّع جسد الدولة وصارت تتناهشه القوى الدولية والمجاميع المحلية المتواطئة مع الخارج، والكل مستفيد من عجز هذا النظام-الجثة المتآكلة، والذي لم يقدم إلى الآن أية حلول ولو ترقيعية لِلَملمة أبناء شعبه في عملية ديمقراطية ودستورية، قوامها العدل وتداول السلطة، وبناء مفهوم وطني يحاكي تطلعات وأماني هذا الشعب الحالم بحفظ كرامته منذ عدة عقود.

لم نعدْ نسمع في كل يوم تقريباً، إلاَّ الأنباء عن قصف إسرائيلي لمواقع عسكرية لميليشيات وأحزاب مسلحة على أرض سوريا، واستهدافات لمسؤولين عسكريين وقادة سوريين، لكن الأغلب الأعم من جنسيات أجنبية على الأرض السورية، في خرق إسرائيلي فاضح لسيادة الدولة، وخرق فاضح أخطر لممارسة عناصر مسلحة على الأرض السورية، من دون ذكر الأسباب والمسبِّبات لهذا الوجود العسكري، ومن دون معرفة الردِّ على الغطرسة الإسرائيلية وعربدتها على أرض سوريا.

فهي أساليب في التعاطي مع سوريا، شكَّلت سِمة المرحلة، في وقت يُعاد فيه تشكيل النظام الدولي والإقليمي، وفي وقت تبحث فيه الدول عن تحقيق مصالحها وحجز مكانة لها فيه، اقتصادية وحضارية وتنموية، وما يزال الشعب السوري يبحث عن ملجأ ودولة تقبل به، وتحويه وتحميه من صلف الدهر والنظام الحاكم ومصالح الدول.

غارات أردنية شنتها القوات الجوية داخل سوريا مستهدفة مستودعات ومخابىء لمهربين تقول مصادر استخبارية أردنية إنهم مرتبطون بإيران..

لكن اللافت أيضاً هو الدخول الأردني على خط الغارات والاستهدافات العسكرية داخل الأراضي السورية لضرب مافيات وعناصر المخدرات ومراكز تصنيعها، وإلى اليوم هو في حال اشتباكات دائمة مع مهرِّبين، باتوا يواجهون الجيش الأردني بأسلحة متوسطة وأكثر، وكأنها أيضاً صارت سِمة استباحية لسيادة الدولة السورية، في مكافحة آفة إنتاج المخدرات التي تُصدَّر إلى دول الخليج، وكأن كل المبادرات المقدمة للنظام السوري لتعويمه في حضور القمم العربية، وفتح عدة سفارات عربية، وعقد اتفاقيات تُعيد الثقة فيها للشعب السوري في حفظ كرامته، وإعادة بناء دولته التي هشَّمتها الميليشيات المسلحة ومافيات النظام، وكأن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، خاصة ما تمَّ الاتفاق عليه في قمة عمان بالأردن، ولم ينجز ولا أي بند واحد مما تمَّ الاتفاق عليه.

غارات أردنية شنتها القوات الجوية داخل سوريا مستهدفة مستودعات ومخابىء لمهربين تقول مصادر استخبارية أردنية إنهم مرتبطون بإيران، وذلك بعد عملية تكثيف الجيش حملاته على تجار المخدرات، واشتباكات استمرت لفترات زمنية طويلة مع عشرات المتسللين إلى داخل الأردن عبر الحدود، كانوا يحملون كميات كبيرة من المخدرات ومعهم أسلحة ومتفجرات.

وبحسب مصادر في وكالة رويترز ومسؤولين أردنيين، فإن ميليشيات مسلحة تابعة لإيران وفصائل متحالفة معها تسيطر على جزء كبير من جنوب سوريا، هي التي تعمل على إنتاج وصناعة وتسهيل تهريب المخدرات والأسلحة عبر حدود الأردن، رغم النفي السوري الرسمي لتواطؤ النظام مع هذه الجماعات المسلحة، والتي تفيد المعلومات بأنها مرتبطة بالجيش وقوات الأمن على الحدود التي قدمت لها واشنطن، منذ عام 2011 إلى اليوم، أكثر من مليار دولار لإقامة نقاط حدودية.

فتجارة المخدرات وكل أنواع النشاطات غير الشرعية، باتت تمول انتشار وتوسُّع الفصائل المسلحة والقوات شبه المسلحة الموالية لحكومة النظام السوري، فسوريا أصبحت الموقع الرئيس في المنطقة لتجارة المخدرات، التي تقدر بمليارات الدولارات، وأصبح الأردن طريقاً رئيسياً لعبور الكبتاغون ذات الصناعة السورية إلى خارج البلاد.

بالإضافة إلى كل ذلك، تتقاذف الأمواج الدولية والإقليمية من جديد أبناء الشعب السوري إلى متاهات المجهول في التهجير والقتل والضياع، وكما أراد الغرب الرأسمالي في أوروبا وأميركا، أن يُشكِّل أبناء الشعب السوري بشبابه وفتيانه عماد صناعة الاقتصاد والإنتاج بسبب افتقارهم الأدوات الفتيَّة في القارة العجوز، وعمالة جديدة في بنية أنظمتهم الاقتصادية التي شاخت، كذلك يعمل الروسي على استخدام أبناء الشعب السوري من السواعد الفتية لتجنيدهم كمرتزقة مقاتلين مأجورين في أوكرانيا، مستغلاً حال الفقر والعوَز والتشرُّد، كي يكونوا عماد القوات العسكرية المقاتلة على محاور كييف، رغم وجود وباعتراف روسي، مقاتلين ينحدرون من النيجر ومصر وسوريا، وصَفوهم بـ”المرتزقة”، باعتبارهم يقاتلون من أجل المال، لاسيما أنهم يتقاضون رواتبهم الشهرية بالعملة الصعبة، وهو ما يُعَد سبباً مغرياً بالنسبة لهم للانخراط في الحرب الروسية-الأوكرانية.

وتستمر القوات الروسية في سوريا بعمليات تدريب المزيد من العناصر السوريّة للقيام بمهام خاصة، حيث يتقاضى كل سوري يقاتل إلى جانب الجيش الروسي مبلغ 1400 دولار أميركي، ويقدر عدد السوريين الذين وصلوا بالفعل إلى الأراضي الأوكرانية بنحو 2000 مقاتل.

سوريا أمام دوامة عنف متجدِّدة ومستنسخة، فلا النظام المتآكل قادر على حفظ أبناء شعبه، ولا حلفاء النظام السوري من إيران إلى روسيا والصين قادرون على القيام بمبادرات تسوية لإعادة إعمار الدولة واستعادة أبنائها اللاجئين والنازحين، ولا الغرب بشِقَّيه الأميركي والأوروبي راغب في صياغة أية حلول تحفظ سيادة الدولة وتمنع استباحة مقدرات وثروات شعبها..

تحدّثت مصادر أخرى عن تسجيل الآلاف لأسمائهم كمجنّدين لصالح روسيا، من جراء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا، والتي أرغمت الآلاف من شبانها على المشاركة في هذه الحرب، بهدف الحصول على المال وتأمين قوتهم المعيشي الأفضل لعائلاتهم، كما تتولى شركات أمنية روسية لديها تراخيص من الحكومة السورية، مهمَّة تجنيد مقاتلين سوريين لصالح روسيا في أوكرانيا، والتي بدأت عملها منذ نحو عامين، وتمنح تلك الشركات ضمانات لحصول أسر المقاتلين على تعويضات مالية عند مقتلهم أو إصابتهم خلال مشاركتهم في الحرب الروسية-الأوكرانية.

إذن سوريا أمام دوامة عنف متجدِّدة ومستنسخة، فلا النظام المتآكل قادر على حفظ أبناء شعبه، ولا حلفاء النظام السوري من إيران إلى روسيا والصين قادرون على القيام بمبادرات تسوية لإعادة إعمار الدولة واستعادة أبنائها اللاجئين والنازحين، ولا الغرب بشِقَّيه الأميركي والأوروبي راغب في صياغة أية حلول تحفظ سيادة الدولة وتمنع استباحة مقدرات وثروات شعبها، وهو عنف لا يمكن احتواؤه ولا يحل احتواء النزاعات، بل يتطلب إدارة فاعلة.

فالنزاع المجمَّد في سوريا اليوم يشهد هبوطاً واستكانة مرة، وتصاعداً مقلقاً مرات عديدة، مع استمرار وتيرة التصعيد وعدم الاستقرار، بسبب عدم إحراز أي تقدم في أية مفاوضات، إذ توقّفت المفاوضات بين لجنة الاتصال العربية، المؤلّفة من الأردن والسعودية والعراق ومصر وجامعة الدول العربية، وبين الحكومة السورية.

وفي الوقت نفسه تعتبر عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في سوريا منفصلة عن عوامل هذا النزاع الدائر، هي تسعى إلى تحقيق أهداف محدودة، بما في ذلك دستور جديد تصيغه لجنة لم تجتمع منذ 18 شهراً، وإعادة بناء الثقة المتبادلة بين سوريا ولجنة الاتصال العربية وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهذه العملية منفصلة كذلك إلى حد كبير عن التطورات السياسية والعسكرية الحالية، بما في ذلك الارتفاع الأخير في العنف بأنحاء البلاد كلها، وبعيدة كل البعد عن طموحات الشعب السوري، الذي قدم الغالي والنفيس في سبيل الحصول على حريته وحفظ كرامته، وإقامة العدل والمساواة وسيادة القانون. 



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى