سوريا

ضد النظام.. مع سوريا



لا يختلف كل من يملك حدا أدنى من العقل والضمير والرؤيا السليمة على أن النظام الحاكم في دمشق، قد ارتكب جرائم كبرى بحق شعبه، قتلا ونهبا وحبسا وتشريدا خلال العقود الماضية، وفتح البلاد بعد العام 2011 لتدخلات خارجية كثيرة، تسببت في استباحة أراضيها، وتبديد مقدراتها، وهدر سيادتها وكرامتها.

ومن هنا، نشأت وتراكمت عداوات وأحقاد ضد هذا النظام ورموزه وكل من نصره واحتشد معه لتثبيته في الحكم ضد إرادة كثير من السوريين الذين ثاروا ضده، باحثين عن الحرية والكرامة والمشاركة في السلطة والثروة التي ظلت حكرا على القلة من رموز النظام والمتمسحين به، بينما عانت الأكثرية من الحرمان والاستباحة أمام تغول أجهزة الأمن وشبيحة الاقتصاد ممن خصهم النظام بالامتيازات، على قاعدة الشراكة معهم في الاستيلاء على الثروات العامة، وكل مصادر توليد الدخل.

إيران وميليشياتها، ما كانت لتتدخل بهذا الحجم في سوريا خلال السنوات الماضية، لولا وجود ضوء أخضر إسرائيلي – أميركي واضح وجلي.

خلط الأمور

كل هذا وكثير غيره مفهوم ومستحق، غير أن بعضا ممن يصنفون أنفسهم في ضفة المعارضين للنظام، باتت تختلط عليهم الأمور بين معاداة هذا النظام المتجبر على شعبه، والبلد المسمى سوريا، بما يعني من أرض وجغرافيا وتاريخ، والناس الذين ما زالوا يعيشون فيه، وجلهم من المغلوبين على أمرهم، ويعانون الأمرين: ضنك العيش وسطوة النظام.

وهذا الخلط كان حاضرا في العديد من المواقف والأحداث التي مرت على البلاد خلال السنوات الماضية، من قبيل إظهار الفرح والشماتة كلما شنت إسرائيل عدوانا على الأراضي السورية، ضد ما تقول إنها أهداف لإيران وميليشياتها، برغم ما يعلم الجميع من حقيقة أن إيران وميليشياتها، ما كانت لتتدخل بهذا الحجم في سوريا خلال السنوات الماضية، لولا وجود ضوء أخضر إسرائيلي – أميركي واضح وجلي، لتمكين النظام من الصمود في وجه المعارضة، وإبقاء جمرة الحرب السورية الداخلية متقدة، بما يخدم في المحصلة إسرائيل وأهدافها، في إضعاف سوريا، وإخراجها نهائيا من معادلة الصراع مع إسرائيل. 

ودليل ذلك أن إسرائيل لم تضرب أي هدف لإيران وميليشياتها في سوريا في ذروة تدخلهم لصالح النظام بين عامي 2011 و2018، وبدأت باستهدافهم بعد ذلك لأنها أرادت أن تحد من تعاظم الوجود الإيراني بعد أن أنجز مهمته في إنقاذ نظام الأسد من السقوط.

والواقع أن الفهم الصحيح يتطلب أيضا إضافة الى الحقيقة السابقة، الانتباه إلى أن إسرائيل لم تقصف يوما أي هدف لدى النظام يخص أدوات بطشه بشعبه، مثل مقارّ أجهزة المخابرات، أو ورش تصنيع البراميل المتفجرة أو الضباط الكبار الضالعين في ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري، وهي تقصف ليس فقط ما تقول إنها مواقع لإيران وميليشياتها، بل أهداف في جيش النظام ومؤسساته تخص الصراع مع إسرائيل، مثل مراكز البحوث العلمية ومواقع الدفاع الجوي والمطارات، أي أن جل ما يضرب في المحصلة هو أهداف سورية، وكثيرا ما يكون بين الضحايا مدنيون أبرياء. 

بطبيعة الحال، ثمة كثيرون ممن يؤلمهم استهداف مقدرات بلدهم بهذا الشكل، خاصة مع التزام النظام بعدم الرد على هذه الاعتداءات خوفا من انخراط إسرائيل في جهود إزاحته عن السلطة، برغم ما بينهما من تفاهمات ضمنية بعدم تهديد كل جانب للآخر بشكل جدي، وهي تفاهمات تعود إلى حقبة الأسد الأب، منذ تسليمه مرتفعات الجولان لإسرائيل عام 1967 حين كان وزيرا للدفاع، واستمرت بعد ذلك وصولا إلى الأسد الابن الذي التزم بها بحذافيرها، برغم تعمد إسرائيل إهانته المرة تلو الأخرى، لعلمها بمدى عجزه ومدى تشبثه بالسلطة ولو على أنقاض البلد وكرامته الوطنية.

وبطبيعة الحال، كان الأمر سيبدو مختلفا، لو أن استهداف المصالح الإيرانية في سوريا كان بأيدٍ سورية، وليس على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يبطش اليوم بوحشية منقطعة النظر بأهلنا المدنيين في قطاع غزة، ويحتل أراضيَ سورية.

من قال إن الموقف المعارض يقتضي مقاطعة كل ما يجري في مناطق سيطرة النظام، أو مناطق الخصم والعدو بشكل عام.

الدراما والتفاوض مع النظام

وبرز هذا الخلط أيضا بين النظام والبلد في الجدل الذي أثير مؤخرا على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بشأن عرض “تلفزيون سوريا” لمسلسل “كسر عضم” بحجة أن معظم الممثلين المشاركين في المسلسل هم من الموالين للنظام، بما يسهم تاليا في الترويج لرواية النظام حول ما يجري في سوريا، وفق المنتقدين.

ودون الدخول في القضايا التي يطرحها المسلسل والتي تبدو ناقدة للوضع في سوريا، وتضيء على الفساد الذي ينخر النظام وأجهزته الأمنية، لكن ليس إلى درجة تحميل رأس النظام مسؤولية هذا الفساد، فإن عرض المسلسل بحد ذاته، وهو يعرض أيضا على العديد من المحطات التلفزيونية الأخرى، من الصعب أن يدخل في هذا التصنيف الذي يروج له المنتقدون، لأسباب عدة في مقدمتها أن تلفزيون سوريا يقول منذ البداية إنه يتوجه إلى عموم السوريين، وليس المعارضين فقط، بما لا يخرج عن مبدأ مناصرة تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والكرامة.

وفي حالة هذا المسلسل، جرى المبالغة من جانب بعضهم لدرجة الدعوة لمقاطعة التلفزيون؛ ربما لأهداف أخرى، لا علاقة لها بالمسلسل، لأن عرض مسلسل لا يساوي في الأهمية مثلا إجراء مفاوضات بين المعارضة والنظام بهدف التوصل إلى تسوية سياسية كما يحدث منذ سنوات.

ومن قال إن الموقف المعارض يقتضي مقاطعة كل ما يجري في مناطق سيطرة النظام، أو مناطق الخصم والعدو بشكل عام. وقد يعرض التلفزيون مسلسلا أو فلما أميركيا يتعاطى بسلبية مع القضايا العربية، وعليه فقط واجب الإشارة إلى ذلك، ثم يتولى محللون ونقاد تفنيد العمل من الناحية الفنية، علما أنه لا يمكن اعتبار الفنانين السوريين المشاركين في هذا العمل أو الجهة المنتجة، يمثلون فعلا رؤية النظام السوري، ولعل النظام نفسه غير راض عن هذا العمل الذي جرى تصويره بالكامل خارج سوريا.

والواقع أن مفهوم مقاطعة النظام، أو الشماتة بما يجري داخل سوريا، يكتسي بعض المراهقة وعدم النضج السياسي، خاصة في حالة الموقف من إسرائيل، حيث يجاهر بعضهم بتفضيله إسرائيل على نظام الأسد، بينما لا تولي تشكيلات المعارضة أهمية تذكر لقضية الصراع مع إسرائيل، وتترك بذلك الساحة للنظام للمزاودة في قضية مواجهة إسرائيل، برغم الخدمات الجليلة التي تقدمها له الأخيرة منذ عقود.

 



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى