عندما يسود الفساد وتنعدم القيم
لعل محيط إبحاري هذه الليلة لايخلو من تراكم الظلمات وانعدام الرؤية وكوامن الأخطار الأمر الذي قد يتساوى مع سحب الفساد السوداء وصواعق الظلم القاتلة وعواصف الجهل الزاحفة نحو مجتمع بريء مظلوم ضلله إعلام الأشقاء ، وأوهمه اللصوص من الأقرباء ، الأمر الذي جعله يصوب بندقيته نحو أخيه القريب ويتحالف مع عدوه البعيد ، ظنا منه أنه يصلح ، في الوقت الذي هو يخرب ويدمر ، فسلم أمره للأجهل من صبيانه ، ووضع لقمته وقوت أطفاله بيد الخونة ومصاصي الدماء من رفاقه .
أيها القابعون في قصور السلطة ومراكز القرار ؛ اعلموا أن هذا الشعب المكلوم جسده من نيران بندقيتكم ، والمخدوش الكرامة من أسواق نخاستكم ، والرابط على بطنه من الجوع المفروض عليه من طيش صبيانكم ، وتصرفات أغبيائكم لم ولن يستمر في تقديم أعناقه لجور سكاكينكم . غير أن ماحصل يوم أمس الأول من طائشكم المتهور في الشيخ عثمان أمر ترتجف له الأرض وترتعد له السماوات ، ويتوقف عنده نبض القلوب ، هذا عند أولي الألباب ، أما أنتم فلا أظن أن لديكم وازعا من ضمير أو ذرة من أخلاق ، وإلا ماكنتم سكتم على حدث بهذه الفاجعة ، فاجعة تتساقط من هول عظمتها الأجنة من الأرحام ، وتشيب من رعبها رؤوس الولدان ، ومع ذلك اقتصر فعلكم نحوها بحديث عن تحقيق شكلي ، الغرض منه تمييع الجريمة البشعة وإيهام الرأي العام .
يتساءل أحدهم هل يكفي هذا الإجراء تجاه جريمة بحجم تلك الجريمة ؟ يتساءل آخر وهل ذلك الإجراء يرقى إلى مستوى ذلك الحدث الجلل ؟ يقول ثالث إن الجاني ينتسب للأشراف والمجني عليه من عامة القوم . لعمري إن مثل هذه التصرفات تذكرني بسلوك عصابات بني إسرائيل وتصرفاتهم ؛ إذ كانوا إذا سرق الشريف تركوه وأوجدوا له المسوغات والتبريرات ، وإذا سرق الضعيف أقاموا الحد عليه …
والأدهى من ذلك الفعل المدان أن تجد شريحة من هذا المجتمع المسحوق تبرر لتلك المجرمات ، وتسوغ لأبشع المنكرات . حقا إن الأغبياء هم الداء الأخطر على الشعوب ؛ إذ تجدهم لايعلمون شيئا عن غبائهم بل يذهبون إلى الاعتقاد بأنهم هم الأفضل من بين أفراد المجتمع ، وأن مايفعلونه من شر إنما هو الخير ، والقبيح في نظرهم جميلا ، والرديء جيدا ، وهكذا دواليك ، نسأل الله أن يجنبنا سوء أعمالهم ، وقبح أفعالهم ، وعار سلوكهم ، وأن يجعل مصيبتهم بينهم ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
Source link