هل تقرر مناطق شرقي الفرات مصير سوريا؟
شاهد هذا الموضوع -هل تقرر مناطق شرقي الفرات مصير سوريا؟- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
مناطق الجزيرة السوريّة، شرق الفرات، مناطق ذات الغالبيّة الكرديّة، المناطق الكرديّة في سوريا، روجافا، الإدارة الذاتيّة…، أسماءٌ عديدة يجري ذكرها في الإعلام العربي أو الكردي أو السّوري أو العالمي، للإشارة إلى منطقة واحدة من سوريا، وكل طرف سوري يذكر إحدى هذه التسميات بحسب ميله السياسي وتوجهه الأيديولوجي وموقفه من تلك المنطقة.
على امتداد قرن تقريبًا، ومناطق شرق الفرات تقدِّم لسوريا والسّوريين القمحَ خبزًا ليأكلوه، والقطن ليلبسوه، والنّفط وقودًا ليتدفَّؤوا ويديروا سياراتهم ومعاملهم به. والسّؤال هنا: منذ الاستقلال سنة 1946 وحتّى اللحظة، ماذا قدّمت سوريا بأنظمتها وحكوماتها المتعاقبة لهذه المنطقة غير التهميش والإقصاء وانعدام المشاريع التنمويّة، وفرض المشاريع العنصريّة كالإحصاء وتجريد الكرد من الجنسيّة السوريّة سنة 1962، وفرض “الحزام العربي” ومصادرة أراضي المُلاّك الكرد، واستجلاب آلاف العرب من مناطق الرقة ودير الزور وتوطينهم في قرى جديدة محمية من الدولة ومنح هؤلاء أراضي وامتيازات…، فضلاً عن حظر ومنع اللغة والثقافة الكرديّة، كل ذلك بهدف إجراء تغيير ديمغرافي في تلك المنطقة. ذلك الاستهداف الرسمي موثّق في الدراسة الأمنيّة التي قدّمها الضّابط محمد طلب هلال لإدارته في “المكتب الثاني” (المخابرات السياسيّة) مطلع الستينات، في أثناء عملهِ في مناطق الجزيرة السوريّة. هلال الذي وصل إلى منصب القيادة القطرية في حزب البعث (البائد)، واستلم مناصب وزاريّة على زمن الأسد الأب، مذكَّرته ـ دراستهُ الأمنيّة التي طواها على توصيات تستهدف المنطقة بشكل عام والكرد على وجه الخصوص، أصبحت دستور ومنهاج عمل نظام الأسد الأب والابن على امتداد عقود. وقد كشف وزير الزّراعة السّوري السابق أسعد مصطفى جانبًا من المظلوميّة الكرديّة في عهد البعث في أثناء حديثه لبرنامج “الذاكرة السياسيّة” على قناة “العربيّة” قبل سنوات!
العديد من المثقفين والكُتّاب والناشطين البعثيين السّابقين الذين صاروا على مقاعد معارضة النظام البعثي، ناهضوا تركة البعث باستثناء ما فعله هذا النظام الفاشي بحق الكرد في المناطق الشماليّة، واستمرّوا في المحافظة على تلك التركة العفنة البغيضة، بل وصلت درجة “البجاحة” عند بعضهم إلى تبرئة ذمّة البعث ونفي كلّ تلك السّياسات والإجراءات والمشاريع العنصريّة الممنهجة بحقّ الكرد، وإذا فشلوا في ذلك النفي المغرض، يحاولون التقليل في سرديّة المظلوميّة الكرديّة أو التشكيك فيها ووصفها بـ”المبالغ بها”، وإذا فشلوا في هذه أيضًا، سرعان ما يلجؤون إلى تلك الأسطوانة المكرّرة المهلهلة: “كلنا ظلمنا وليس الكرد فقط”! وعليه، في إطار استهداف الكرد ضمن سوريا، تضررت مناطق شرق الفرات وشمال سوريا بشكل عام، وعانى عربها وسريانها أيضًا وطاولهم جزء ممّا طاول الكرد من ظلم وغبن وحجب وتهميش وإقصاء وانعدام تنمية!
مناسبة الأسطر السالفة الذكر هو الحديث عن خصوصيّة منطقة شرق الفرات التي يرفضها كثير من نخب السلطة الجديدة حاليًا، على أنّه لا يمكن منح منطقة في سوريا، وبالتحديد؛ شرق الفرات، أيّة خصوصيّة إداريّة معيّنة! لأنّ ذلك سيفتح الباب أمام مناطق سوريّة أخرى للمطالبة بالمثل. هذا المبرِّر المتهافت – “تحريض مناطق أخرى على الخصوصيّة” – يستبطنُ حقيقة دامغة مفادها: هناك خصوصيّة لمنطقة شرق الفرات، ورفضهم إقرار هذه الخصوصيّة دستوريًّا ضمن هيكلة الدولة اللامركزيّة، خلفيّة مبررهِ هو “عدوى” انتقال المطالبة بالخصوصيّة إلى مناطق أخرى!
سببٌ أو مبرِّرٌ آخر، يعطفونه على سابقهِ في أثناء رفضهم منح خصوصيّة إداريّة لمناطق شرق الفرات، هو أنَّ المنطقة تمثّل السلّة الغذائيّة لسوريا، وهي مصدر نفط سوريا وغازها! ولا يرى هؤلاء في شرق الفرات إلاّ ما يشبع بطونهم ويكسي أجسادهم قطنًا وصوفًا، ويدفئ منازلهم ويدير محرّكات سيّاراتهم وآلات معاملهم وينير بيوتهم! ولا يرون في المنطقة غناها الحضاري والبشري الشديد التنوّع. ما يعنيهم في المنطقة هو ما تقدِّمهُ لهم من أكل ولبس وطاقة ووقود، أمّا الفلاح الذي يزرع ويحصد القمع ويرزع القطن ويجنيه، والعامل الذي يستخرج لهم البترول والغاز، فما هي مشكلاته وقضاياه واحتياجاته؟ تنشلُّ ألسنتهم في أثناء محاولة الإجابة على تلك الأسئلة! ولا يتحدّثون عنهم غير الكلام المكرر الممجوج المستورد من زمن البعث أو الذي ورثوه منه، وخلاصته؛ ضرورة المحافظة على “السلّة الغذائيّة والبترول والغاز”!
من المؤسف القول: إنَّ إنسان منطقة شرق الفرات، سواء أكان عربيًّا أم كرديًّا أم سريانيًّا، بالنسبة للسوريين في محافظات الداخل، هو الريفي البسيط الساذج، ابن منطقة نائية ورصيدهُ من الحضارة والرُّقي فقيرٌ ومتواضعٌ للغاية! هذه النّظرة الانتهازيّة والسّطحيّة الاستعلائيّة لإنسان شرق الفرات، كانت نتيجة سياسات الحكومات المتعاقبة في دمشق منذ الاستقلال وحتّى اللحظة. حَكَمَ سوريا رؤساء جمهوريّة ورؤساء حكومات من دمشق، وحلب، ومناطق الجنوب والسّاحل السّوري، باستثناء منطقة شرق الفرات، فلم يحكم كردي أو عربي أو سرياني من شرق الفرات!
كثيرًا ما نجد بعض الموالين للنظام السوري الجديد، من أبناء دمشق أو إدلب أو حلب أو حمص…، حين يتحدّثون عن منطقة شرق الفرات، يكرِّرون بشكل ببغائي وغير مستند إلى إحصائيّات وأرقام دقيقة على أن نسبة الكرد في الجزيرة السوريّة لا تتجاوز الـ 10 بالمئة! هذا الكلام مستورد من أيّام النظام البعثي البائد الذي حاول العبث بديمغرافيّة المنطقة منذ مطلع السّتينيّات مرورًا بالسّبعينيّات والثّمانينيّات، فهل يعقل أن تصبح أرقام نظام البعث وإحصائيّاته محل ثقة والسند والدليل القطعي الثبوت الذي يعتمدونه في إقامة الحجّة على الناشطين الكرد؟! والأنكى من ذلك، أنَّ بعثيي شرق الفرات، بخاصّة منهم المستفيدين من النّظام السّابق، ممن يكنّون الأحقاد الصدّاميّة للكرد، هم أهم مصدر يستورد أبناء الداخل السوري حججهم المناهضة لحقوق الكرد في سوريا!
هؤلاء الذين ينفون أيّة خصوصيّة لمنطقة شرق الفرات، يكفي أن يراجعوا أداء الحكومات السوريّة السابقة، ليكتشفوا خصوصيّتها التي تفقأ الأعين، أذكر منها:
1 : التنوّع القومي والديني.
2 : الثروات، والنفط والمحاصيل الزراعيّة.
3 : المشاريع العنصريّة التي استهدفت سكّانها، وخاصّة الكرد.
هذه الأسباب الثلاثة وغيرها، وبخاصّة السّبب الثالث (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي)، تؤكّد خصوصيّة المنطقة ماضيًا وراهنًا ومستقبلاً. وأعتقد أنَّ العاصمة دمشق على زمن النّظام الجديد، عليها الاعتذار من هذه المنطقة نتيجة ما تعرّضت له من ظلم وإجحاف وتجاهل وإهمال وإقصاء وسوء تقديم صورة حقيقيّة متوازنة وموضوعيّة عن مشكلات المنطقة السياسيّة منها والقوميّة والإداريّة في المنطقة. وضرورة الكفّ عن المضي في إعادة تدوير الدعاية البعثيّة السابقة على أن أيّة خصوصيّة إداريّة لمنطقة شرق الفرات (حكم ذاتي، فيدرالية، إدارة محليّة موسّعة..) سيؤدي إلى الانفصال وحرمان سوريا من سلّتها الغذائيّة والنفط! وكأنَّ سيطرة “قسد” طيلة عقد ونيّف على شرق الفرات، تسبّب في خلق المجاعة بسبب الحصار الاقتصادي الجائر والمجحف لـ”قسد” على باقي المناطق السوريّة!
الحقّ أنَّ لكل منطقة في سوريا خصوصيّتها، وهذه الخصوصيّة تمنحها فرصة إدارة شؤونها بنفسها، ضمن دولة وطنيّة لامركزيّة ديمقراطيّة تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة. وفي تقديري الكفّ عن شيطنة وأبلسة الحلول الوطنيّة الديمقراطيّة الحديثة هي الخطوة الوطنيّة الأولى نحو التفكير الوطني من خارج الصندوق البعثي الأسود الذي شوّه سوريا وشوّه الوعي الوطني السّوري عبر تقديم مفاهيم مغلوطة ومزيّفة عن أنظمة الحكم والإدارة اللامركزيّة. وعليه، تجربة شرق الفرات، والتحرير الثاني لها، لا يكون عبر الإنصات إلى أيتام البعث الذين يطالبون بإلقاء “قسد” بعربها وكردها وسريانها في البحر، بل المساهمة الفعّالة والعادلة والديمقراطيّة إلى احتواء “قسد” وتحريرها من تأثير حزب العمّال الكردستاني.
شارك هذا المقال
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي