من أجل عبور آمن نحو الاستقرار
شاهد هذا الموضوع -من أجل عبور آمن نحو الاستقرار- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
يروي حمود الشوفي الذي كان يوما ما الأمين العام لحزب البعث وسفير سوريا لدى الأمم المتحدة أن حافظ الأسد قال له في عام ١٩٧٠ في جلسة خاصة: “إن الناس لهم مطالب اقتصادية بالدرجة الأولى يتطلعون إلى الحصول عليها، مثل: قطعة من الأرض، أو بيت، أو سيارة، أو ما شابه ذلك. وأضاف: هناك -فقط- مئة شخص أو مئتان على الأكثر ممن يعملون جديا بالسياسة أو يتخذون منها مهنة لهم، وهؤلاء سيكونون ضده مهما فعل، وخلص إلى أن سجن المزة -أصلا- مبني من أجل هؤلاء”.
السوريون والسياسة
بعيدا عما يقال بأن السوريين ساسة بالفطرة فإن الواقع يقول غير ذلك، وإذا كان العدد -حسب تقديرات حافظ الأسد- يتأرجح بين المئة والمئتين قبل أن يستولي على السلطة، فالقول إنه من النادر أن تجد بعض السوريين الذين يمتهنون السياسة لن يكون افتراء أو مبالغة بعد أن جعل نظام البعث من ممارسة السياسة جريمة لا تغتفر. تجلى ذلك بكل وضوح بعد انطلاق الثورة السورية في العام ٢٠١١؛ فرغم امتداد الثورة لما يقارب الأربعة عشر عاما لم يستطع السوريون تشكيل تيارات أو أحزاب كبيرة قادرة على أن تعبر عن تطلعات السوريين، أو أن تمثل شرائح واسعة منهم، فوفق بعض التقديرات ظهرت أعداد كبيرة من الكيانات السياسية لكنها جميعا تشكلت من عشرات الأشخاص، وربما مئة أو مئتين في أحسن تقدير، وهي بالمجمل استنساخ لتجارب كلاسيكية فاشلة. من هنا يمكن القول: إن الطرح الذي جاء على لسان السيد أحمد الشرع بامتداد الفترة التحضيرية لثلاث أو أربع سنوات يبدو أنه طرح متسرع، فأربع سنوات غير كافية لبناء وهيكلة أحزاب كبيرة تمتلك من النضج ما يكفي لممارسة اللعبة السياسية.
على الرغم من امتداد الثورة لما يقارب الأربعة عشر عاما لم يستطع السوريون تشكيل تيارات أو أحزاب كبيرة قادرة على أن تعبر عن تطلعات السوريين، أو أن تمثل شرائح واسعة منهم.
ضربة استباقية للثورة المضادة
بعد السقوط المدوي لنظام الطغيان صبيحة الثامن من كانون الأول ٢٠٢٤ انبرت الفصائل المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام التي قادت عملية التحرير لملء الفراغ الإداري والسياسي الذي نجم عن سقوط النظام واختفاء رموزه، وفيما يبدو أنه ضربة استباقية لأي ثورة مضادة؛ سارعت قيادة العمليات إلى تشكيل جيش نظامي قوامه مقاتلو الثورة وقادتهم بعد أن تبخر جيش النظام البائد نتيجة الهزيمة الساحقة التي مني بها، وتكفلت القوات الثورية بملاحقة وتفكيك الخلايا التي يمكن أن تشكل خطرا في المستقبل. وعلى المستوى الإداري تتالت التعيينات والتكليفات ليصار إلى السيطرة على مفاصل الدولة بشكل تام. ولكن، رغم أن الإجراءات المتخذة تبدو مدروسة وذكية، إلا أن خطر انقسام المجتمع إلى فئتين متناقضتين قد يكون نتيجة طبيعية لهذه الإجراءات، فالذين تم إبعادهم عن المناصب الإدارية والعسكرية، وباقي المتضررين من سقوط النظام سينتظرون إلى أن تظهر بعض الأصوات والفئات التي كانت محسوبة على الثورة أن تعبر عن امتعاضها نتيجة ما تظن أنه تهميش لها لتلتحق بها وتتحد معها لتشكل ما يمكن أن نسميه فئة أو تيار الناقمين على الفئة الأولى: فئة المستفيدين.
الأمن والازدهار والرضا الواسع
في مجمل الأحوال، يبدو أن فكرة الوصول إلى مجتمع لا توجد فيه فئة ناقمة على السلطة هي فكرة شبه مستحيلة، فالفكرة الأكثر جدوى تتجلى في جعل الفئة الناقمة فئة صغيرة لا تشكل خطرا يذكر، ويمكن الوصول إلى ذلك بحيازة السلطات الحاكمة على رضا الأغلبية من الشعب من خلال إنعاش الاقتصاد والتوسع في مجال الخدمات والحماية التي تقدمها الدولة، فالمواطن بطبعه لا يحب السلطة عندما تكون جديدة؛ إلا أنه لا يلبث أن يشعر بالحاجة لوجودها نتيجة ما تحققه من أمن وازدهار للبلاد. بهذا المعنى قد تكون الفئة غير الراضية كبيرة في البداية لكنها لا تلبث أن تتلاشى عندما تبدأ المصالح الشخصية للأفراد بالتحقق، فباعث المصلحة الشخصية هو الذي يسير الفرد في هذا العالم كما تقول الفرضية الاقتصادية الشهيرة. ومما لا شك فيه أن مصالح الأفراد تتحقق بالدرجة الأولى من الفرص الاقتصادية التي يمكن أن توفرها الدولة لجميع أفراد المجتمع من دون تمييز. إذاً لم يكن حافظ الأسد مخطئا عندما اعتقد أن المصالح الاقتصادية تأتي بالدرجة الأولى؛ لكنه فشل في تنفيذ ذلك عندما استولى على السلطة.
لا يمكن للشعوب أن تعبر الأطوار الانتقالية دون بعض المنغصات والعثرات، ويعتقد أن التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن والازدهار هو الطريق الأقصر والأسلم للعبور الآمن نحو الاستقرار.
معوقات ثقافية
لا أحد يعلم إن كان حافظ الأسد فشل في تحقيق المطالب الاقتصادية للسوريين نتيجة اكتشافه لنقص موارد الدولة السورية أم أنه غض الطرف عن هذه الرؤية نتيجة لتعارضها مع رغبته ببناء نظام سلطوي قمعي يرسخ تفرده بالسلطة، لكن الأهم من ذلك العبث بثقافة السوريين وصياغة مفردات العقل الجمعي للسوريين بما يخدم الخط السياسي للنظام الحاكم، فاليوم رغم سقوط النظام بأشخاصه ورموزه، إلا أن ما تركه في الثقافة السياسية للشعب السوري ما يزال قائما، وربما تشكل هذه الثقافة عائقا أمام السلطات الجديدة إن هي رغبت بانتهاج سلوك تصالحي مع الجميع، والذي هو من أهم متطلبات التنمية الاقتصادية وجلب الاستثمارات، فالخطاب المفعم بالتحدي والعنجهية الذي يجذب الأغلبية الساحقة من السوريين يتناقض تماما مع المساعي والرغبات بالتنمية الاقتصادية، فسوريا -على عكس ما يعتقد أغلبية السوريين- بلد فقير بالموارد الطبيعية وهو بحاجة ماسة للمساعدات والاستثمارات الأجنبية. وهكذا؛ إن لم يحصل التعديل والتصحيح في بعض المفاهيم وبعض المعتقدات؛ قد تكون الثقافة السياسية الموروثة عن نظام الاستبداد أكبر معوق أمام التنمية الاقتصادية، وبالتالي أمام رغبات السلطات الجديدة بأن تكون الأغلبية الساحقة من السوريين تشعر بالرضا.
أخيرا؛ لا يمكن للشعوب أن تعبر الأطوار الانتقالية دون بعض المنغصات والعثرات، ويعتقد أن التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن والازدهار هو الطريق الأقصر والأسلم للعبور الآمن نحو الاستقرار.
شارك هذا المقال
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي