قضية المهاجرين على طاولة انتخابات تركيا المحلية
تتواصل الحملة الأمنية التركية ضد ما تسميه الحكومة “الهجرة غير الشرعية” وما تبعها من تشديدات تتعلق بالسوريين خاصة، مثل منح “المخالفين” مهلة زمنية لتسوية وضعهم والإقامة ضمن الولاية التي حصلوا منها على بطاقة الحماية المؤقتة.
ونظراً للإطار الزمني الذي جاءت فيه هذه الحملة، نجد أنها بدأت عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشهر أيار/مايو الماضي بوقت قصير، وهي تسبق الانتخابات المحلية/البلديات بعدة شهور فقط، حيث من المقرر أن تنعقد في آذار/مارس 2024.
وهذا ما يدفع للاعتقاد بأن الحملة تتقاطع مع خطة حزب العدالة والتنمية الحاكم للفوز بأهم بلديتين خسرهما في 2019 وهما إسطنبول وأنقرة، حيث تحتضن إسطنبول على وجه الخصوص نحو 530 ألف سوري وفقاً للبيانات الرسمية، في حين تحتضن بالمجمل أكثر من مليون و200 ألف أجنبي بمن فيهم السوريون.
ولذلك كان منح السوريين في إسطنبول بشكل خاص مهلة زمنية تنتهي بـ24 أيلول/سبتمبر المقبل لمغادرة المدينة قبل معاملتهم كمهاجرين غير شرعيين وترحيلهم.
لا شك أن مدينة إسطنبول تمثل المطلب الرئيسي بالنسبة للرئيس أردوغان وحزبه الحاكم، وهو عازم على استرجاعها من منافسه التقليدي الشعب الجمهوري الذي خرج خالي الوفاض من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ويعيش الآن أزمة داخلية تتعلق بضرورة إجراء تغيير يشمل قيادة الحزب بسبب خسارة الانتخابات.
لكن السؤال الجوهري هنا، هل ستكون هذه الحملة بمنزلة العصا السحرية بيد العدالة والتنمية للفوز بمدينة إسطنبول في الانتخابات المحلية المقبلة؟
قضية المهاجرين وعلى رأسهم السوريون باتت ملفاً مهماً للغاية في أجندة الحملات الانتخابية، لكن الحال الآن ونحن على أعتاب الانتخابات المحلية يبدو مختلفاً عن السابق، بسبب الأزمة الاقتصادية التي باتت خانقة
أولاً، يُلاحظ أن الحزب ينفي ربط الحملة ببعد سياسي بما في ذلك الانتخابات المحلية المقبلة، لكن بات من المعلوم أن ملف الأجانب/المهاجرين/السوريين بات جزءاً من أجندة الأحزاب على اختلافها في المعارك الانتخابية، ولقد رأينا بالأمس القريب كيف اُستغلّ هذا الملف بطريقة مستهجنة من قبل مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو وتعليق لوحات تعد بترحيلهم وما شابه.
مرة أخرى، قضية المهاجرين وعلى رأسهم السوريون باتت ملفاً مهماً للغاية في أجندة الحملات الانتخابية، لكن الحال الآن ونحن على أعتاب الانتخابات المحلية يبدو مختلفاً عن السابق، بسبب الأزمة الاقتصادية التي باتت خانقة بسبب ارتفاع معدل التضخم من جهة، وتتابع فرض الزيادات على الوقود والتي بدورها تسببت برفع باهظ لشرائح كبيرة من المنتجات.
لا يمكن النظر للتضخم المتصاعد خلال الشهرين الماضيين فقط على أنه يتناغم مع وتيرة التضخم ذاتها قبل الانتخابات، فهو مصحوب ببرنامج تقشف يركز على تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة، ويتزامن مع أزمة جديدة بلغت أوجها تتعلق بالأسعار الفاحشة لإيجار المنازل لا سيما بإسطنبول.
ولذلك فإن الأزمة الأهم الآن هي الاقتصاد، وما يجب التركيز عليه هو التسريع في مكافحة التضخم وتحقيق نتائج ملموسة تتعلق بتطبيق الوعود بتنزيل خانة التضخم إلى آحاد.
ولعل استطلاع رأي هو الأحدث في هذا السياق يؤكد هذا الطرح، حيث نشرت مؤسسة ASAL التركية للأبحاث نتائج استطلاع رأي حول أهم المشكلات التي تعاني منها تركيا استناداً إلى آراء المواطنين، وكانت الغالبية العظمى ترى أن المشكلة الرئيسية هي الاقتصاد وغلاء المعيشة والتضخم المستمر.
بحسب الاستطلاع فإن 68.6% يرون أن مشكلة تركيا الأهم اليوم تتعلق بالتضخم وغلاء المعيشة، و5.2% يرونها في البطالة، ويمكن القول إن ما مجموعه 73.8% يرون المشكلة تتعلق بالاقتصاد.
أما مسألة اللاجئين فحلت بالمرتبة الثالثة، حيث يرى 3.5% أن المشكلة الأهم هم اللاجئون.
وأعتقد أن هذا تطورٌ ملحوظٌ عن الشهور السابقة نظراً لعدة استطلاعات رأي كانت تمنح مسألة اللاجئين اهتماماً أكبر بالنسبة للناخب التركي، إلا أن تفاقم الأزمة الاقتصادية بات يغطي حتى على موضوع اللاجئين.
نعم التفاعل الذي نلحظه عبر وسائل التواصل هو طبيعي وغير جديد، ومعظمه يرتبط بمتابعة مجريات الحملة الأمنية التي تشنها السلطات التركية أصلاً منذ شهرين.
وللإجابة عن السؤال الذي طرحناه، يمكن القول إن هذه الحملة لا يبدو أنها تتسق مع برنامج الحزب الحاكم الانتخابي للفوز بإسطنبول، بقدر ما تتسق مع المتغيرات التي أفرزتها نتيجة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، لا سيما دعم القومي اليميني سنان أوغان لأردوغان في الانتخابات الرئاسية.
وبالطبع كان التركيز آنذاك على وعود تؤكد مكافحة الهجرة غير الشرعية والمهاجرين غير الشرعيين وإعادة نحو مليون سوري إلى بلدهم ضمن مشروع الإعمار الذي يتم الحديث عنه في شمالي سوريا.
ولو أخذنا كذلك ثقل حزب الحركة القومية الحليف الأهم للعدالة والتنمية، على اعتبار أن ثقله بات عميقاً وراسخاً وتراكمياً؛ يمكن فهم سياق الحملة الأمنية التي نلحظها الآن ضد ملف الهجرة غير الشرعية، ناهيك بالطبع عن ضغوط المعارضة التي يتفاعل معها الشارع التركي.
نتيجة لما سبق، لا يمكن حصر سياق الحملة بالتحضير للانتخابات المحلية والفوز بمدينة إسطنبول، وليس من المنطقي أصلاً بالنسبة لحزب لديه خبرة عالية مثل العدالة والتنمية التفكير بهذه الطريقة في ظل أزمة أهم وأعمق كما رأينا تتعلق بالملف الاقتصادي.
قد نجد حزب العدالة والتنمية يستغل أزمة الثقة بأحزاب المعارضة، من خلال أمرين أحدهما نعم الحملة الأمنية ضد الهجرة والمهاجرين المخالفين، أما الأمر الأول والأهم فهو تقديم نتائج ملموسة على أرض الواقع تتعلق بمكافحة التضخم وغلاء المعيشة
ومع وجود مسائل مثل التضخم وغلاء المعيشة وتتابع فرض الزيادات بشكل متواصل؛ من دون حل سريع وفعلي لها فإن عزوف الناخب عن التصويت سيكون سيد الموقف، لا سيما مع فقدان الناخب المعارض ثقته بالأحزاب التي تمثله على رأسها الشعب الجمهوري.
ونتيجة لذلك، قد نجد حزب العدالة والتنمية يستغل أزمة الثقة بأحزاب المعارضة، من خلال أمرين أحدهما نعم الحملة الأمنية ضد الهجرة والمهاجرين المخالفين، أما الأمر الأول والأهم فهو تقديم نتائج ملموسة على أرض الواقع تتعلق بمكافحة التضخم وغلاء المعيشة.
بقيت قضية لا يمكن تجاهلها، وهي التساؤل حول ما إذا كانت هذه الحملة ستتوقف مع انتهاء الانتخابات المحلية في الربع الأول من العام المقبل.
وفق تصريحات المسؤولين المعنيين فإن الحملة من المفترض أن تؤتي نتائجها في غضون 4 أو 5 أشهر، بحسب تصريحات وزير الداخلية علي يرلي كايا، ما يعني أنها مستمرة بالتأكيد حتى مطلع العام المقبل، لكن من المتوقع أن تأخذ هذه الحملة وضع الديمومة لا سيما في إسطنبول، بهدف منع عودة “المخالفين” للمدينة مستقبلاً.
نظراً للإجراءات الأمنية المشددة حالياً، فهي إجراءات يصعب تطبيقها لفترات طويلة تستغرق شهوراً وسنوات، ولذا قد تلجأ السلطات لتضييق نطاق المراقبة والملاحقة على أن تضمن مواصلة الحملة لفترة طويلة مستمرة.
Source link