الاحتضان والعناق في سوريا بين عامين 2024- 2025

شاهد هذا الموضوع -الاحتضان والعناق في سوريا بين عامين 2024- 2025- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
النقاقون والنقاقات
النقّ هو صوت الدجاجة والضفدع، تطلقه بشكل متتال من دون أن تترك فسحة لكي يتم الاستماع والتحليل والتفاهم والتواصل. بمعنى من المعاني هو صوت من جهة واحدة، وهذ حالة كثير من السوريين اليوم، ينق فقط، مهمته اليومية هي النق، لا ينتظر أن يستمع، بل المهم أن ينق!
يريد من الإدارة الجديدة في سوريا أن تحلّ كل مشكلات البلد المتراكمة منذ سنوات عديدة خلال شهرين!
لا يشارك حتى لو بفكرة، لا يقوم بأي عمل، يحصي ما يشاء من السلبيات ويعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، مستعملاً صيغة “ما قلتلكم؟ شفتوا؟”
كل العالم انتقل إلى مرحلة “بدلاً من أن تقل لها تت اكسر رجلها”، لكنه لا يشارك بأي شيء، هذا واجب الدولة، لا يقول “تت ولا يكسر رجلها” الدجاجة أعني!!
بين النق والنقد حرف واحد، لكن هناك فرق كبير في الدلالة، النقد حتى لو ركز على النقاط السلبية، خلفه فكرة ورؤيا وموقف ورأي، فيما النق هو الإرسال من طرف واحد، من دون لغة، من دون انتظار التوضيح أو التواصل، أو النظر إلى الظروف المحيطة. يمكنك أن تضيف إليهم الزنانون والزنانات والمستعجلون والمستعجلات واللجوجون واللجوجات.
لدى الهولنديين مثل يقول: لا يمكن للاستعجال والجودة أن يسكنا في بيت واحد، بمعنى أن أي عمل ناجح يحتاج إلى تخطيط، ولا يعني التخطيط غياب الإنجاز في الوقت المحدد أو البطء.
إنْ تعطلتْ حنفية منزلك “صنبور الماء” كم يكلفك ذلك من وقت وبحث حتى تستطيع استبدالها؟ ربما ستنق عليك سيدة البيت، غير مرة، حتى تستبدلها، هذا “نق إيجابي” لأنك من دونه ستؤجل الموضوع أسبوعاً!
الأوطان والبيوت لا تبنى بيوم وليلة، حاول أن تكون جزءاً من البناء ولو بشق تمرة، أو زراعة شتلة ياسمين أمام بيتك، أو على شرفتك!
37 عاماً كتابة صحفية
“القناعة كنز لا يفنى، دعوة إلى إعادة النظر في الأمثال الشعبية”.
هذا عنوان أول مقال نشرته في مثل هذه الأيام قبل 37 عاماً، في صفحة اسمها قضايا الجيل يشرف عليها الصحفي سمير صارم في جريدة تشرين، أرسلتها عبر البريد وكنت في السنة الجامعية الثانية.
حاولت قبل ذلك الدخول إلى جريدة تشرين، غير أن موظف الاستعلامات قال لي: إنْ لم يكن اسمك موجوداً لدي، وعندك زيارة إلى شخص محدد، نعتذر عن السماح لك بالدخول، تلك لغة مهذبة أستعيد من خلالها ما حدث، أذكر وجهه جيداً، قالها بلغة استهتار: “شو بدك؟” ولعند مين جاي؟”
معظم موظفي الاستقبال على الأبواب الخارجية في سوريا كانوا يحملون ذات الطباع ويتصفون بالفظاظة وقلة التهذيب. كثير منهم تمّ تعيينه لأسباب أمنية حتى يقدم تقريره عن زوار المدير العام إلى الجهة التي رشحته، وفي حالات انتظاري عندهم على أمل أن يمر أحدٌ أعرفه، أو يرق قلبه لكي أدخل، أرى منهم وجهاً آخر ناعماً حين تأتي صبية، أو موظف له قيمة إدارية ما. غير أن أفظع أنواع موظفي الاستقبال كانوا أولئك الموجودين في مبنى الإذاعة والتلفزيون، وهم جزء من أحد فروع المخابرات، وكل من عمل في التلفزيون السوري يعرفهم جيداً!
سبق هذا المقال، نشرَ خاطرة أقرب إلى القصة القصيرة في جريدة الفرات التي كانت تصدر في دير الزور، غير أن اسمي طار من الخاطرة، كيف أثبتُ لمن أراه أن تلك الخاطرة لي، راسلت الجريدة، انشروا اسمي أو تنويهاً أو أي شيء أريد أن أثبت لمن أراه أنني أنا الكاتب، غير أنهم لم يردوا علي، ولم يفدني أنني اشتريت يومها معظم الأعداد التي يوزعها موزع الجرائد الوحيد في بلدتنا أبو فارس.
ركضت نحو زملائي، “الأدق زميلاتي” في جامعة دمشق، أعلمهم عن نشر مقالتي في جريدة تشرين، وقد اشتريت أكثر من عدد من الجريدة، وزعتها عليهن مجاناً!
أخذتني الحياة يمنة ويسرة وأتيح لي أن أكتب وأشتغل في معظم أنواع الإعلام المسموع والمرئي وكتابة المسلسلات الإذاعية، إضافة إلى عملي الأساسي في التدريس الجامعي، آلاف من المقالات: عن كتاب، تغطية لحدث، تقرير، تحقيق، مقالة رأي، سرد صحفي، مقالات محكمة، أبحاث، كتب، برامج إذاعية وتلفزيونية… غير أن نكهة أول مقال حين رأيت اسمي في الجريدة لم تفارقني، وبقي طعمها في فمي حتى هذه اللحظة!
الاحتضان والعناق والقبلات
هناك مشهد لم يغب عن بالي، وهو معانقة ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان لرئيسنا السيد أحمد الشرع، قرأت فيه: أنا معك، نحن معك، أنا أخوك، كذلك قرأت فيه: شكراً لأنك قطعت أوصال ذلك المشروع، الذي لم يرد الخير للعرب وبلدانهم! ما لم يقله الاحتضان، قالته العيون!
ضمَّاتٌ طويلة اليوم، يتبادلها سوريون يلتقون بموعد أو من دونه، يتخللها التوقف فجأة والابتعاد قليلاً عن الآخر، ينظران في عيونهما: “فعلاً رجعنا ورجعت البلد” ثم تعاد الضمة، كأننا في فيلم سينمائي!
مفاهيم الإناث والرجال ضاعت في مقاه وحارات كثيرة، وغدت الأمومة والشوق والبعد الإنساني هو الناظم لها، حتى أنني شخصياً كل من رأيته في الشام ضممته، أو ضممتها، وقلت لكثيرين: اعذروا شوقي فهو لم يعد تحت سيطرة الحسابات الأرضية، صرت متصوفاً أتجاوز الماديات، كثيرون وكثيرات صدقوني!
وجدتُ شخصاً يقبّل شجرة، وحين ابتسمت له، قال لي: كنت أجلس تحتها ولي ذكريات جميلة هنا، كي أبين له أنني أفهم مشاعره، أخرجت له صورتي وأنا أقبّل أرض بلدي أول دخولي إليها، مازحته: الحالمون يقبلون التراب والشجر، والعقلاء يقبلون الحبيبات الجميلات!
أظنُّ أنَّ كمّ القبلات والعناقات والاحتضانات الذي شهدته دمشق خلال شهريْ الانتصار يعادل تاريخها الطويل في احتضان المشتاقين، لا أتحدث هنا عن هذه المشاعر الإنسانية في الأماكن المغلقة أو في البيوت. بل أتحدث عن تلك العناقات في الفضاء العام. لو أتيح لمصور أن يصور تلك القبلات والاحتضانات في دمشق ويصنع منها مادة وثائقية لحصل على كنز سوري يمكن أن نقدمه للعالم بصفتنا: أجمل المشتاقين في العالم!
في دمشق يومياً كمّ كبير من القبل والعناقات المرئية، غير أن تلك الاحتضانات والعناقات بعد فقدان الأمل، بعد الانتصار، بعد غياب طويييييل، لن تتكررر في تاريخ المدينة، لا يروي المتعانقون شوقهم فحسب، بل يريدون أن يقولوا: انتصرنا! عدنا، اشتقنا، هل من المعقول؟
يريد كل معانقٍ أن يطمئن الآخر أنهما في الشام، هذه حقيقة؟ نعم، حقاً! حقيقة؟
هل يصدق أحد منكم أننا عدنا إليها منتصرين، وأن لحظة العناق والاحتضان وتلك القبل هي في الشام؟ إن لم تصدقوا كرروها كل يوم حتى ترتوي القلوب المشتاقة!
تفاجأت بها، هربتُ من عينيها، لم أصدق أننا في الشام معاً، ركضتُ خلفها لأقول لها: لقد عدنا، اشتقت إليك، تعالي نرقص وندبك في ساحة الأمويين كما حلمنا ذات يوم، أو نلبس لباس العرس ونلتقط الصور، غير أنها غابت عن عيني كأنها لم تعرفني أو لا تعرفني!
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي