سوريا من تقاطع النيران إلى تقاطع المصالح
شاهد هذا الموضوع -سوريا من تقاطع النيران إلى تقاطع المصالح- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
بحركة غير متوقعة حتى روائياً، انتقلت سوريا، خلال أحد عشر يوماً، من بلد يتموضع في نقطة تقاطع النيران العالمية، إلى بلد تتقاطع فيه مصالح قوى النفوذ الإقليمية والدولية. فبات الديبلوماسيون يتقاطرون إلى دمشق، بحثاً عن مصالحهم، وعرض شروطهم على الإدارة لتحقيق تلك المصالح في الجمهورية الجديدة.
قبل شهر واحد من بدء “عملية ردع العدوان”، كتبت هنا مادة بعنوان “السوري المتطفِّل بين تقاطع النيران العالمية”، أشرت فيها إلى اهتمام السوريين ومتابعتهم الحثيثة، كشعب مشتت جغرافياً وسياسياً، لكلِّ ما يجري في المحيط الإقليمي والدولي، وأن هذه المتابعة ليست تطفّلاً ولا فضولاً منهم، بل لأن بلدهم ومصيرها يتعلق بكل تلك القوى التي تتصارع على أرضها. وخلال أقل من شهرين، وبعد إسقاط نظام الأسد، ما زلت أرى أن سوريا في نقطة التقاطع، لكنها هذه المرّة نقطة تقاطع جذبت مصالح تلك القوى، بدلاً من نيرانها.
ربيع عام 2017، في ملتقى سوري خاص للحوار، جرى في مدينة إسطنبول التركية، سمعتُ شخصياً من الراحل ميشيل كيلو جملة قطعية، بدت لي رغم قناعتي بصوابية سياقها، أنها متطرفةً وقاسية في صياغتها، قال الرجل لإسلاميين كانوا ضمن الحوار “يمكن للغرب أن يقصف سوريا بقنبلة نووية، كي لا يسمح بقيام دولة إسلامية متطرّفة”. كان كيلو يومها، وأعتقد أنه استمرّ حتى رحيله، على قناعة تامة أن على الفصائل الإسلامية تغيير خطابها وأدواتها، وحتى أهدافها، بما يتّسقُ مع ما يمكن أن يتلاقى مع رؤية العالم عن سوريا القادمة، بعيداً عن أوهام غير قابلة للتحقّق، أصلاً لن يسمح أحد من الفاعلين الدوليين على تحقيقها.
كانت إيران في تلك الفترة وما قبلها، تعمل على التدخل في دول المنطقة، عبر تسييد الميليشيات التابعة والموالية لها، على حساب تحييد الجيوش الوطنية لتلك الدول. هذا ما حدث في العراق عبر ميليشيا الحشد الشعبي، وفي لبنان عبر حزب الله، وفي اليمن مع الحوثيين، وإلى حد كبير في سوريا عبر استخدام ميليشيات طائفية متعددة الجنسيات وعابرة للحدود، هدفها حماية نظام الأسد الحليف من السقوط.
ليس بوحي منهُ، لكن الأكيد أن هيئة تحرير الشام وصلت إلى نفس قناعة ميشيل كيلو، وبدأت العمل قبل سنوات، على تغيير ليس صورتها فقط، وإنما أدواتها وأهدافها، فبعد أن كانت كل سياساتها وحتى سلوكها الميداني يقوم على إقامة دولة الخلافة الإسلامية التي سبق للقاعدة وداعش أن حاولتا إقامتها، تحول المشهد بطريقة براغماتية مدروسة، خلال سنوات قليلة، مع تغيير صورة الهيئة، لتتلاقى مع ما يمكن للعالم أن يقبل به.
في المقابل، وفي سياق الصراع مع الميليشيات الإيرانية، بدا أن الهيئة حاولت التأسيس لنواة جيش يعتمد إلى حدٍّ لا بأس به، على القواعد العسكرية الأكاديمية، بعيداً عن صورة الميليشيات المنفلتة، والتي ترتكب الانتهاكات بالمعايير الدولية كيفما تحرّكت. وخلال تحولاتها تلك، كان من الطبيعي أن تنشق بعض الرؤوس الحامية والصلدة، وكان على الهيئة أن تحيّد من لم يستطع التماشي مع هذا التغيير، وقد شهدنا ذلك في أكثر من محطّة.
الهيئة، بجيشها قليل العدد، استطاعت، بغطاء دوليّ، أو أقلّه ومن دون أدنى شكّ، بسماحٍ من الفاعلين في المشهد السوري، أن تسقط نظام الأسد مع تفكك جيشه وانسحاب ميليشياته ومواليه من المشهد، وهي اليوم تحكم الجزء الأكبر من سوريا، وعبر ما نشهده من تواصل دولي مكثَّف، تبدو أنها القوّة الشرعية الجديدة التي تحوز، بدرجات متفاوتة، على الاعتراف الدولي، حتى لو لم يكن رسمياً إلى الآن
من دون الإسهاب بكامل تلك التفاصيل، نحن اليوم هنا. الهيئة، بجيشها قليل العدد، استطاعت، بغطاء دوليّ، أو أقلّه ومن دون أدنى شكّ، بسماحٍ من الفاعلين في المشهد السوري، أن تسقط نظام الأسد مع تفكك جيشه وانسحاب ميليشياته ومواليه من المشهد، وهي اليوم تحكم الجزء الأكبر من سوريا، وعبر ما نشهده من تواصل دولي مكثَّف، تبدو أنها القوّة الشرعية الجديدة التي تحوز، بدرجات متفاوتة، على الاعتراف الدولي، حتى لو لم يكن رسمياً إلى الآن.
ولكن ماذا عنّا نحن السوريين، وعما نريده لبلدنا؟ لن أنتدب نفسي هنا، لأتحدث باسم كامل الشعب السوري، ولكني على يقين بأنني أستطيع إنابة نفسي عن شريحة ليست قليلة منه. وأنا بصدد الحديث عن تقاطع مصالحنا مع مصالح المجتمع الدولي الذي يحاول الإطباق على المشهد. أعتقد أن معظم السوريين اليوم يريدون أن تكون سوريا بلداً مستقراً لا يتسبب بالتهديد لأي طرف، والحقيقة أنها لا تستطيع، ما لم تتحول إلى دولة مارقة وخارجة عن القانون الدولي. وتلك نقطة لا يجب أن نختلف حولها مع أي من الفاعلين الإقليميين أو الدوليين.
يتحدث معظم زوار دمشق عن العدالة الانتقالية التي يجب أن تتم وفقاً للشرائع الدولية، وعن ضرورة مراعاة حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وغيرها من المبادئ القانونية الدولية التي تلتزم بها معظم دول العالم المتحضّرة. عند هذه النقاط، أجد أن على الإدارة الجديدة، ليس أن تستجيب لتلك المطالب وحسب، بل عليها أن تسبق في هذا الميدان تلك المطالبات بخطوة على الأقل. وهذا ما لا يحدث، في أكثر من حقلٍ، حتى الآن مع الأسف. وبما لا يتوافق، بل ويتناقض، مع الخطاب العقلاني والمتّزن الذي يقدّمه قادة الإدارة الجديدة.
أقول إن علينا أن نسبق المطالبات الدولية بخطوة ليس تلبية لرغبات تلك الدول بل لأجل السوريين. وحقيقة الأمر أن تلك الانتهاكات كانت تحدث تاريخياً في سوريا وغيرها من دول الإقليم والعالم، من دون أن يرفّ لتلك القوى الدولية جفن. علينا القيام بذلك، لا كي لا نترك لتلك الدول حجّة للضغط والتدخل، بل لأننا يجب أن نقوم بذلك ونحن نقطع كل الأواصر مع صورة دولة الاستبداد، الذي أسس لها نظام الأسد منذ أكثر من نصف قرن. وبهذا نسحب تلك العناوين من التداول، وحتى من جداول أعمال اللقاءات مع ديبلومسيي وسياسيي تلك الدول.
ما يحدث على الأرض، ويتسرب عبر مقاطع مصورة، من انتهاكات وحتى قتل خارج إطار القانون، هو مثلبة على الإدارة الجديدة، حتى لو ارتكبته عناصر غير منضبطة. وإن استمرار بعض الرؤوس الحامية، حامية بالمقاييس الدولية وليس بمقاييس الهيئة، حتى الآن في بعض مواقع القرار أو المواقع التنفيذية على الأرض، إن كان هؤلاء من الهيئة أو من بعض حلفائها يعكس صورة سيئة، ومختلفة عن خطاب الإدارة، حول سوريا القادمة.
صورةٌ سوف يركّز عليها الإعلام الدولي، وقد بدأ ذلك بالفعل. وإن كان الساسة الغربيون سيغضون الطرف عنها وقد يفعلون، فلن يكون ذلك إلا على حساب مصالح سوريا واستقلاليتها. إذ سيتمّ الأمر على شكل مقايضات قد تكون لمصلحة الإدارة الجديدة، لكنها بالقطع ليست لمصلحة السوريين.علينا لمصلحة بلدنا، وليس بدفع الآخرين، ومن أجل بناء سوريا الجديدة بصورة حضارية تستحق الاحترام، أن نسبق إلى ضبط هذا المشهد بلا تردد، ومن دون أن ننتظر أية ضغوطات خارجية.
قد لا يبدو في كل ما كتبت هنا أن هناك أشياء جديدة، لم يقلها آخرون. نعم ربما هذا صحيح إلى حدٍّ ما. لكن أريد أؤكد وأنا أختم بأن من ينتقدون ما يظهر من تلك الانتهاكات، في الواقع السوري الجديد، ليسوا معادين للإدارة الجديدة بالضرورة، بعضهم كذلك طبعاً، لكنهم من الفرحين بالنصر والمتفائلين ببناء سوريا جديدة، ويريدون فقط، وأنا أحد هؤلاء، أن يروا بلدهم بلداً طبيعياً ومتحضّراً، يشبه كثيراً من دول العالم وتتقاطع مصالحه بطريقة إنسانية مع تلك الدول، بعد أن عاشوا جلَّ أعمارهم في بلد متوحش، ولا يرغبون أن يقضوا ما تبقّى لهم من أعمار في بلد مشابه.
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي