إما التعاون الأميركي مع سوريا الآن أو خسارة الفرصة
شاهد هذا الموضوع -إما التعاون الأميركي مع سوريا الآن أو خسارة الفرصة- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
من بين الصور المؤثرة التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد كانت صورة خروج آلاف المعتقلين السياسيين من السجون السورية، إذ مثل ذلك بارقة أمل وبث ارتياحاً كبيراً في نفوس الناس تجاه الآلاف الذين لم يخرجوا من السجن. وبعد أيام على ذلك، ومع وصول غير بيدرسن، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، وزيارته لسجن صيدنايا المشين القريب من دمشق، صرخت امرأة في وجهه قائلة: “الآن أتيتم؟! لقد فات الأوان!” غير أنه لا يجوز لنا أن نرى في غضبها اتهاماً لحالة التقاعس الدولية طوال العقد الماضي، بل أتى ذلك بمنزلة تحذير.
في الوقت الذي سارع المجتمع الدولي لفرض إجراءات عقابية، رأيناه يجرجر قدميه تردداً في معظم الأحيان كلما لاحت فرصة لتحقيق تغيير إيجابي، وفي الوقت الذي يجب على العالم أن يهرع لتأييد السوريين ودعمهم، لم يظهر أي تصرف حاسم في هذا المضمار.
فرصة سانحة
من الخطأ أن نربط كل مشاركة شاركت بها الولايات المتحدة مع سوريا بالاعتراف السياسي بالسلطات السورية الجديدة التي تترأسها هيئة تحرير الشام التي ارتبطت بتنظيم القاعدة في الماضي، إذ طوال سنوات خلت، منع الخوف من فساد نظام الأسد والخشية من التدخل والتعرض للعنف، الاستثمارات الأجنبية والبرامج التنموية من الوصول إلى سوريا، ولكن مع انهيار هذا النظام، ظهرت فرص جديدة لدعم الشعب السوري بشكل مباشر، ومن دون الاعتراف بحكومته الجديدة، أو مع الاعتراف بها، لا فرق، هذا إلى جانب تقديم معايير واضحة للحكومة الانتقالية وذلك حتى تفتح المجال أمام حالة أوسع من التكامل.
والآن، تلوح بارقة لفرصة في مجال التعافي، إذ ثمة وازع أخلاقي جلي يدفع نحو تخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب السوري، لأن إبقاء وضع العزلة الاقتصادية على ما هو عليه يعتبر عقوبة للسوريين على حكومة لم يختاروها كما أنها لم تعد موجودة. ثم إن ملايين السوريين لجأوا إلى الحلول القصوى حتى ينجوا من الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه البلد، مثل إخراج أولادهم من المدارس، وتزويج بناتهم في سن مبكر، وبيع ممتلكاتهم ومنها أراضيهم ومصادر رزقهم.
لذا فإن توسيع نطاق المساعدات الإنسانية أمر بالغ الأهمية (فخلال العام الماضي، قدمت الجهات المانحة ثلث المساعدات الإنسانية المطلوبة في سوريا، لتكون تلك النسبة هي الأدنى منذ عقد)، غير أن المساعدات العاجلة ما هي إلا حل إسعافي لا يمكنه أن يغطي الجرح المفتوح للاقتصاد المدمر بسبب الحرب والعقوبات الشاملة الخانقة. كما أن الحرب كلفت سوريا 85% من إجمالي ناتجها القومي، وما يعادل 35 سنة من تطورها، واليوم، أصبح 95% من الشعب السوري يعيش في فقر، كما قد يعود الآن نحو 5.5 ملايين لاجئ سوري يعيشون خارج سوريا إلى بلدهم خلال مرحلة مبكرة، على الرغم من أن بيوتهم مدمرة وهنالك فجوات ونقص في البنية التحتية، وشح في الخدمات الأساسية، مما قد يخلق خطراً يتمثل بتكرار نزوحهم في الداخل السوري.
وفي ذلك وصفة لخلق حالة توتر ولتجدد العنف، لأن ذلك سيجعل سوريا تعيش حالة أزمة إلى الأبد، وثمة قيمة استراتيجية يتعين على الولايات المتحدة استغلالها عبر اقتناص أي فرصة لتخفيف خطر توجه سوريا نحو حالة انهيار الدولة وظهور فراغ أمني في البلد إلى جانب ظهور الخطر المتربص والمتمثل بعودة تنظيم الدولة أو غيره من الجماعات المسلحة.
متى سيأتي الفرج؟
وهنا رأينا الولايات المتحدة تعيش حالة تردد تهدد بتقويض الاستقرار الذي تسعى لتحقيقه، وعلى مدار السنوات الأربع عشرة الماضية، أعرب قادة العالم عن تضامنهم مع الشعب السوري، لذا، كم من الوقت يجب على السوريين أن ينتظروا حتى يأتيهم الفرج على المستوى الاقتصادي؟
هنالك ثلاث خطوات ينبغي على إدارة ترمب إعطاءها الأولوية حتى تضع أسس خارطة الطريق الاقتصادية السورية مع تشجيع دول العالم على التحرك من أجل سوريا.
بداية، يجب على الولايات المتحدة أن تقدم توضيحاً قانونياً مع تخفيف للعقوبات، وذلك لأن السوريين بحاجة لدخول مزيد من المساعدات الإنسانية والأنشطة التجارية والواردات حتى تبدأ حالة الانتعاش في البلد. وفي خطوة أولى حظيت بترحيب كبير، أصدرت إدارة بايدن ترخيصاً جديداً خلال هذا الشهر يسمح بعقد صفقات تجارية مع الحكومة الانتقالية، وتشمل دفع رواتب موظفي الدولة، بيد أن مجال هذا الترخيص محدود، ولهذا فشل في رفع العقوبات أو إجازة التوسع بالأنشطة التجارية، والاستثمارات الخاصة، والمساعدة التقنية المقدمة للمؤسسات المالية. كما أن قصر أمد هذا الترخيص، بما أنه يمتد لستة أشهر فقط، يهدد بعدم القدرة على منح ثقة حقيقية في الدولة السورية الجديدة أو تحقيق تغيير دائم في سوريا، ولعل الأهم من كل ذلك، هو تجاهل هذا الترخيص للسؤال الأساسي المتعلق بتصنيف هيئة تحرير الشام ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية.
إن سوريا عالقة ضمن شبكة من القيود القانونية المتناقضة، ويبدو أنها ورثت جميع العقوبات الأميركية التي فرضت على نظام الأسد (والتي كان أولها تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب في عام 1979، ثم تشديد العقوبات عليها إثر اندلاع الحرب وفي الوقت عينه، ومما زاد حالة الارتباك والتشوش حدة هو السؤال: هل ينطبق تصنيف الهيئة ضمن التنظيمات الإرهابية على كامل الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا؟ إذ بالتزامن مع البشرى التي حملها السياسيون الأميركيون ببدء مرحلة جديدة إثر سقوط نظام الأسد، رأينا إدارة بايدن وهي تؤكد من دون أي جعجعة خلال هذا الشهر بأنها لن تحرك ساكناً تجاه القيود التي فرضت خلال حقبة الأسد.
ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة أن توضح بأن هنالك سلطات جديدة تولت زمام الأمور في سوريا، وهذه السلطات تمثل شرائح واسعة وهي ليست رديفاً لهيئة تحرير الشام أو النظام السابق، كما يجب على الولايات المتحدة أن تعيد النظر بتصنيفها للهيئة ضمن التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وذلك لأن هذه القائمة لا تعتبر أداة ناجعة بالنسبة للجماعات التي تحكم شعوباً عريضة، كما أن هذا التصنيف يتسبب بخلق مخاطر تتصل بالمسؤولية الجنائية المترتبة على العاملين في قطاع الإغاثة، والمشاريع التجارية والتجار وغيرهم في حال تقديمهم لأي دعم مادي لهذه الجماعة.
يرى مؤيدو هذا التصنيف بأنه يجب أن يبقى كوسيلة للضغط، ولكن هنالك أدوات أخرى تبدأ من المنع من السفر مروراً بالعقوبات التي تفرض على أشخاص من القيادات وصولاً إلى حظر الأسلحة، وهذه الأدوات يمكن أن تستخدم من دون أن تلحق أي ضرر بالمدنيين السوريين.
إن تخفيف العقوبات الأميركية وإصدار ترخيص أوسع للتعامل مع الحكومة الجديدة يمكن أن يضخ الأوكسجين في رئة الاقتصاد السوري الذي مايزال يعاني كثيراً، كما بوسع هذا الترخيص أن يعمل على تحقيق عملية إعادة الإعمار بعد الحرب في بلد تدمرت معظم قطاعاته، ابتداء من قطاع الزراعة، وصولاً إلى قطاع الكهرباء. ولئن وضعت العقوبات الأميركية لتشل الحكومة السورية، فإنه لابد أن يستوعب الجميع جيداً بأن استمرار فرض تلك العقوبات يهدد بنجاح السلطات الانتقالية في هذه اللحظة الحرجة.
الخيار الوحيد أمام عودة الخدمات
ثانياً، يجب على الولايات المتحدة تأييد فكرة إنهاء تعليق برامج البنك الدولي بعد 14 عاماً من تعليقها في سوريا، إلى جانب إحياء وإعادة الخدمات الأساسية وتوفيرها للسوريين والتي تشمل الصحة والماء وبرامج التعليم في المدراس.
كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تمارس نفوذها بوصفها أكبر مساهم في البنك الدولي وذلك للضغط من أجل توفير حزمة عاجلة من “الاحتياجات الأساسية” المخصصة لسوريا، إذ إن إحياء برامج البنك الدولي في هذا البلد يمثل فرصة كبيرة لهذا البنك حتى يحقق مهمته الجديدة وليفعّل العمل بالنموذج الذي يتبناه والذي أدخل عليه إصلاحات مؤخراً ليتحول من نهج خاص بالحكومة فحسب إلى حالة مأسسة للدور الذي تلعبه العناصر الفاعلة التي لا تتبع للحكومة وذلك من أجل ضخ مزيد من الحيوية والمرونة في البيئات الهشة أو تلك التي شهدت نزاعات. إذ في ظل غياب حكومة معترف بها أو إمكانيات تتمتع بها الدولة القوية، يصبح هؤلاء الشركاء من المجتمع المدني الخيار الوحيد أمام عودة الخدمات بشكل سريع.
والخطوة الأولى المهمة في هذا السياق تتمثل بدفع رواتب موظفي الدولة الأساسيين، مثل الأطباء والمعلمين، وذلك بهدف زيادة الخدمات التي أصبحت متاحة بفضل الإعفاء الأميركي الجديد، وقد تحول هذا النهج إلى أنموذج ناجح في اليمن وأفغانستان، حيث جرى الحفاظ على الخدمات العامة الأساسية عبر توجيه التمويل نحو العاملين بصورة مستقلة عمن سواهم، وذلك لأن أكثر من نصف محافظات سوريا لا يتوفر فيها ما يكفي من العاملين في القطاع الصحي، في حين أن بعض الأطباء أضحوا عاجزين عن تكبد تكاليف السفر من أجل العمل، ولهذا يجب على البنك الدولي أن يسهم في تمويل الرواتب إلى جانب تقديم برامج واسعة تهدف إلى رفد الأرزاق وإحياء خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي، وذلك لأن 40% تقريباً من المرافق الصحية الأولية والثانوية في البلد خرجت عن الخدمة بصورة جزئية أو كلية، لذا فإن استعادة المنظومة الصحية لسوريا ليس ضرورة عملية فحسب، بل ضرورة أخلاقية أيضاً بعد حرب شهدت استهدافاً متعمداً للمشافي.
ضرورة ربط سوريا بالنظام المالي العالمي
أخيراً، يجب على الولايات المتحدة أن ترسم الطريق لإعادة دمج المؤسسات المالية السورية ضمن النظام المالي العالمي، وذلك لأن الصفقات المالية الموسعة والمطلوبة من أجل إقامة برامج تنموية كبرة، والاستثمارات الأجنبية والنشاط التجاري الموسع قد يتباطأ ويواجه تحديات في حال لم يجر ربط المصارف السورية بالاقتصاد العالمي، مما يضطر المؤسسات إلى الاستعانة بحلول بديلة مثل التعامل نقداً أو بنظام الحوالات، كما أنه قد يصعُب تحقيق فوائد مع أي تخفيف للعقوبات من دون وجود مصرف مركزي فاعل ووزارة مالية بوسعها إدارة اقتصاد البلد.
ولهذا يتعين على المؤسسات المالية الدولية التعامل مع سوريا حتى تجري وبشكل سريع تقييمات مستقلة للنظام المالي السوري مع تحديد الإصلاحات اللازمة بشكل واضح، ويمكن للولايات المتحدة هنا أن تضع المعايير كما فعلت في أفغانستان، والتي تحتم على المؤسسات المالية السورية أن تتحرر من أي نفوذ سياسي، وأن يترأسها التكنوقراط، وأن تكون مجهزة بضمانات متينة تمنع الفساد أو تمويل الإرهاب (بما أن مصدر القلق هذا يمكن أن يتسبب بضرر مخيف مثله مثل العقوبات).
في حال تحقيق السلطات السورية للمعايير الأولية للسياسة، وإظهارها لإرادة سياسية تجاه فكرة الالتزام بالمعايير المصرفية الدولية، عندئذ يمكن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن يقدما مساعدة تقنية مباشرة لإعادة بناء إمكانات سوريا حتى تجري تلك الإصلاحات، بما أن للمجتمع الدولي مصلحة راسخة برؤية حالة تحول في سوريا تجاه القنوات المالية الرسمية مع وضع القوانين والإشراف على تنفيذها.
وتترتب على كل هذه الخطوات فوائد أعم تتمثل بتحولها إلى إجراءات لبناء الثقة إزاء أسئلة عصية تدور حول الاعتراف الأمني والسياسي بأي حكومة سورية ستصل إلى الحكم مستقبلاً، وفي حال تحقيق تقدم في هذا المضمار، عندئذ يجب على الولايات المتحدة أن تدعو إلى عقد اجتماع على المستوى الوزاري بشأن الملف السوري وذلك خلال اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي ستعقد في نيسان المقبل والهدف من ذلك السعي لحشد دعم اقتصادي أكبر عقب الحرب ضمن مختلف أطياف المجتمع الدولي.
قد لا تشهد سوريا حالة مجاعة أو حرباً شاملة مرة أخرى، ولكن في الوقت الذي وصل العالم لمرحلة الغليان، لم يعد بوسعنا تحمل تبعات إضاعة الفرصة السانحة لإنهاء واحدة من أكبر المصائب التي ابتلي بها القرن الحادي والعشرين.
المصدر: Foreign Policy
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي