سوريا

عن مشاعر السجّان في صيدنايا

شاهد هذا الموضوع -عن مشاعر السجّان في صيدنايا- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع

لم ينل سجن صيدنايا ما يستحق من اهتمام بالمقارنة مع الهولوكوست، وسجن أبو غريب، وسجون الموت التي سطّرها التاريخ. وحتى لا يدخل في رفوف النسيان، ثمة ما يجب قوله مجدداً حول هذا الثقب الأسود في أذهان السوريين.

على الرغم من الفرحة الغامرة بزوال الطاغية بشار الأسد، وعلى الرغم من انتصار الثورة دون أيّ تدخلات عسكرية خارجية وتنفس السوريين الصعداء، إلا أن المشاهد التي صدرت من سجن صيدنايا ما تزال أشد وطأة علينا. إذ لم يكن الحزن نابعاً فقط من تلك المشاهد غير الإنسانية، بل أيضاً من خوفنا من أن نكون شركاء بشكل غير مباشر في هذه الجريمة.

يدور في ذهن المرء، وهو يشاهد مأساة العصر في هذا السجن، أنه قد تشارك يومًا ما الحياة مع السجّان في مدينة واحدة. هذا السجّان كان جزءاً مما يسمى “النسيج الاجتماعي”. ربما قرأنا جميعًا رواية القوقعة للروائي السوري مصطفى خليفة، ورسمنا مشاهدها في مخيلتنا، وبكينا على تفاصيلها، وعلى روح القهر التي تتسرّب من وراء النص. لكن في النهاية، تبقى القوقعة مجرد رواية، رغم إحساسنا بصدقية هذه السردية، سيما أن الكاتب عاش التجربة كما هي. حين قرأنا الرواية، لم نستطع إقناع أنفسنا بواجبنا تجاهها لكونها مجرد رواية. لكن صور سجن صيدنايا كانت عين الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو الهروب من مسؤولياتنا تجاهها.

الكل على هذه الأرض رأى صوراً وفيديوهات لا يمكن لأي مخيلة بشرية، مهما عظمت، أن تتصور هذا الكم الهائل من الإجرام؛ آلات التعذيب، أساليب الإذلال، تصميم الزنزانات، السلاسل الحديدية، الغرف تحت الأرض.. جميع التفاصيل غير المنطقية التي تبدو وكأنها من أفلام سينمائية باتت الآن حقيقة لا تقبل الإنكار.

تطرح واقعة وعار سجن صيدنايا سؤالًا يهرب كثيرون منه: من هو السجّان؟ وأيّ نوع من البشر هو؟ كيف يمكن لإنسان أن يجرّد نفسه من إنسانيته ويتحوّل إلى هذا النوع من الوحوش؟ هل الإنسان بطبيعته قادر على ذلك؟

وهنا تطرح واقعة وعار سجن صيدنايا سؤالًا يهرب كثيرون منه: من هو السجّان؟ وأيّ نوع من البشر هو؟ كيف يمكن لإنسان أن يجرّد نفسه من إنسانيته ويتحوّل إلى هذا النوع من الوحوش؟ هل الإنسان بطبيعته قادر على ذلك؟ أم أن هناك أساليب تُمارس عليه ليصبح هكذا؟ هل يمكن تحميل ذنب هذا الإجرام لشخص ما فقط لأنه جاهل أو غير متحضّر؟ أم أن الظروف الاجتماعية والسياسية تلعب دوراً في تكوين هذه الشخصية؟ وهل السجّان ينتمي إلى طائفة أو دين أو عرق معين؟

أسئلة لا تنتهي لفهم هذا النوع من البشر – إن صح التعبير.

على مدى عقود، اعتمدت عصابة الأسد التي حكمت سوريا بناء السجون، وقتل وترعيب الشعب السوري، وتهجيره وملاحقته حتى في المنامات. هذه العصابة تميزت بقدرتها على تقسيم المجتمع السوري إلى قسمين لا ثالث لهما: إما سجّان أو سجين.

الجميع يعرف مواصفات السجين في سوريا، لكن من هو السجّان؟ هل له زوجة تشاركه الفراش؟ هل له والدان يدعوان له بالتوفيق في عمله؟ هل له أبناء يفتخرون به ويتحدثون عن “تضحياته”؟ هل السجّان يشرب الشاي الآن؟ هل أنا أتشارك معه مشاهدة مباريات كرة القدم؟ هل للسجّان أصدقاء يخبرهم بعمله؟ هل نتنفس من نفس الهواء، نحن والسجّان؟

نعم، للسجّان زوجة تشاركه الفراش والجريمة. فهي التي تتواصل مع أهالي المعتقلين، وتطلب مبالغ طائلة من المال مقابل رؤية أولادهم لدقائق أو التحدث معهم عبر الهاتف. وأحيانًا يتم الدفع مقابل وعود بتخفيف التعذيب عن المعتقل أو معرفة مكان وجوده.

أما زوجة السجّان، المتمثل في هيئة إنسان، فزوجته تشتري الهدايا والمجوهرات والألبسة، مدعية أنها هدايا من زوجها الرومانسي الحنون. للسجّان أيضاً والدان يفتخران به، ويتحدثان عنه باعتزاز، ويدعوان له بسبب مساهماته في تحسين وضعهما المادي. كيف لا، وهو الذي أجبر أحد المعتقلين على التنازل عن منزله مقابل عدم سجن أحد إخوته، وقام بإهداء هذا المنزل لوالديه لينعما بحياة أكثر رفاهية. كما قدّم لهما هدايا فاخرة من أموال جناها من تجارة الأعضاء البشرية، حيث قام مع بعض زملائه باستئصال أعضاء المعتقلين وبيعها قبل قتلهم.

من هو السجّان؟ هل له زوجة تشاركه الفراش؟ هل له والدان يدعوان له بالتوفيق في عمله؟ هل له أبناء يفتخرون به ويتحدثون عن “تضحياته”؟ هل السجّان يشرب الشاي الآن؟ هل أنا أتشارك معه مشاهدة مباريات كرة القدم؟

للسجّان أبناء يتحدثون بفخر عن ساعات عمل والدهم الطويلة، ويذكرون اشتياقهم له عندما يضطر للعمل ليلًا. يتحدثون عن الألعاب التي يجلبها لهم، وعن الرحلات الصيفية والسهرات التي يقضونها معًا. ولكن هناك جانب لا يستطيعون قوله. وهنا، أنا أقوله بالنيابة عنهم: آخر رحلة قاموا بها الصيف الماضي كانت على نفقة عائلة دفعت مبالغ طائلة لوالدهم لتهريب ولدهم البالغ من العمر 15 عامًا، والذي اعتقل بتهمة الإرهاب والتخابر مع دول أجنبية.

والدهم أيضًا دفع أقساط السيارة التي اشتراها لابنه بمناسبة نجاحه في الثانوية العامة والتحاقه بكلية الحقوق ليصبح ضابطًا، وليساهم مستقبلًا في تحسين الوضع الاقتصادي للعائلة. هذه السيارة دفع ثمنها من “اكتشافه العظيم” في السجن، حيث أجبر أحد المعتقلين، وهو مهندس كيمياء، على تصنيع المخدرات، وبهذا أصبح للسجّان دخل ثابت.

السجّان، رغم أنه شخص لا يجيد القراءة أو الكتابة ولا يجيد الحياة كبشر، كان يهتم بتعليم أبنائه في أفضل جامعات العالم. للسجّان أيضًا أصدقاء وأقارب يتبادلون معه الدعوات والعزائم في المناسبات والأعياد، ويقفون بجانبه في الأحزان. فالسجّان شخص يستطيع التكيف مع محيطه بشكل مدهش.

لكن الخوف الحقيقي أن يكون الآخرون، ومنهم أنا، قد تشاركنا شيئاً مع هذا السجّان، سواء في المطعم أو الحارة أو أي مكان محتمل يجمعنا معه.

أسأل دائماً: هل شاهد السجّان “الكابتن ماجد” مثلنا جميعاً، وتأثر بحماسة المباريات يومًا ما؟ هل كان يترقب حلقات “جزيرة الكنز” وفرح، مثل جميع الأطفال، حين رأى أبطال القصة يقتربون من أحلامهم؟ هل السجّان بكى من مشهد محزن في أحد المسلسلات التي أثارت مشاعره؟ أو تشارك الضحك معنا حينما شاهد لقطة كوميدية طريفة رسمت البهجة على وجهه كما فعلت معنا؟ لا أعرف حقيقة كيف هو عقل ووجدان السجّان، وأي نوع من البشر هو!

السجّان هو كل شخص كان يقول: “كنا عايشين”، وكان يرى سوريا جنة رغم الظلم والإذلال والفساد. السجّان هو كل شخص يقبل وجود سجّان في سوريا اليوم ليخيف الناس إذا طالبوا بحقوقهم أو أبدوا تخوفهم من المستقبل أو حاولوا مراقبة الوضع بحذر.

وعلى الرغم من محاولات البعض فلسفة العذاب والقهر ورشّ الفهم على مأساة سجن صيدنايا، إلا أن حقيقة السجّان أنه تربى في بيت يتألف من عائلة متكاملة، ونشأ على فكرة اقتنع بها. بل العائلة ذاتها احتضنت فكره السجاني ومجازره.

السجّان هو ابن وبنت افتخرا بوالدهما كونه مجرمًا. لديه زوجة تحدثت عن حنيته. هو مجتمع من الأقارب والأصدقاء الذين يزعمون أنهم لا علاقة لهم.

السجّان هو كل شخص كان يقول: “كنا عايشين”، وكان يرى سوريا جنة رغم الظلم والإذلال والفساد. السجّان هو كل شخص يقبل وجود سجّان في سوريا اليوم ليخيف الناس إذا طالبوا بحقوقهم أو أبدوا تخوفهم من المستقبل أو حاولوا مراقبة الوضع بحذر.

ومع ذلك، مواصفات السجّان لا تنتهي، لأنه خارج الوعي البشري الطبيعي.

يذكر بأننا قد نشرنا لكم أعلاه تفاصيل ,عن مشاعر السجّان في صيدنايا, نرجوا بأن نكون قد وفقنا بتقديم التفاصيل والمعلومات الكاملة.
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.

رابط الخبر الأصلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى