لا داع للعجلة بالنسبة لعودة السوريين إلى بلدهم
شاهد هذا الموضوع -لا داع للعجلة بالنسبة لعودة السوريين إلى بلدهم- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
بعد 14 عاماً من الحرب، سقط بشار الأسد، وتحقق ذلك الحلم الذي ظنه السوريون بعيداً في غضون فترة زادت عن أسبوع واحد خلال شهر كانون الأول الماضي، وذلك عندما شنت فصائل المعارضة المسلحة هجوماً خاطفاً على النظام، ولذلك خرجت في كل من دمشق وستوكهولم وإسطنبول وبرلين وغيرها مظاهرات فرحة احتفالاً بنهاية حكم آل الأسد الدموي.
بالنسبة لأكثر من ستة ملايين ومئتي ألف لاجئ سوري يعيشون في مختلف بقاع العالم، زادت هذه اللحظة من تعقيد أمورهم، وتمثل ذلك بالقرار الذي عليهم أن يتخذوه وهو: هل سنعود إلى الوطن؟ ومتى سنعود؟
على الرغم من عدم وضوح مستقبل سوريا، يبدو بأن معظم حكومات الدول الأوروبية والشرق أوسطية قد بدأت بالتخطيط مسبقاً لعملية ترحيل السوريين وإعادتهم إلى بلدهم، إذ بُعيد سقوط الأسد، أعلنت عدة دول أوروبية عن قرارها القاضي بتعليق معالجة طلبات لجوء السوريين، وعللت معظمها ذلك بالحاجة لإعادة تقييم الوضع السياسي والأمني في سوريا.
“كل من احتفل عليه أن يعود”
على الرغم من أن تعليق تلك الطلبات لفترة محدودة يعتبر أمراً معقولاً ومنطقياً وذلك لضمان مراعاة التطورات الجيوسياسية الجديدة عند إصدار القرارات التي تعطي حق اللجوء للناس، أوضحت بعض الدول الأوروبية بأنها تسعى لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم من وراء ذلك في نهاية الأمر، إذ ذكر غيرهارد كارنر وزير داخلية النمسا بأن بلاده سترتب أمور برنامج العودة والترحيل بشكل منظم إلى سوريا، وسبق لحكومة بلاده أن أعلنت عن حوافز مالية مخصصة للاجئين السوريين لتشجيعهم على الرحيل عن النمسا.
وفي ألمانيا التي ستجري انتخابات خلال الشهر المقبل، ذكرت أليس فايدل وهي من مؤسسي حزب البديل من أجل ألمانيا وهو حزب يميني متطرف، بأن السوريين الذين احتفلوا بسقوط الأسد يجب عليهم العودة إلى سوريا على الفور.
وفي الشرق الأوسط، حرص بعض السياسيين على استغلال سقوط الأسد من أجل حث السوريين على العودة بأعداد كبيرة، بعد سنوات من الضغط الشعبي وتراجع الدعم الدولي، إذ خلال الأشهر القليلة الماضية، فر آلاف السوريين من لبنان جراء القصف الإسرائيلي المكثف، فسارعت السلطات اللبنانية إلى فرض مزيد من القيود على السوريين عند دخولهم إلى لبنان مجدداً. وبعد أيام من سقوط الأسد، عرضت البلديات في تركيا على السوريين بطاقات سفر ذات وجهة واحدة وذلك لتسهيل أمر عودتهم إلى بلدهم.
مخاطر العودة الجماعية
غير أن العودة المبكرة تحمل بين طياتها مخاطر كبيرة بالنسبة للاجئين، إذ هنالك قلق كبير بالنسبة لأرزاق السوريين في حال عودتهم إلى سوريا، ويأتي على رأس تلك الأمور عدم وجود سكن يؤويهم ولا بنية تحتية في البلد، وتزداد الأمور تعقيداً بالنسبة لمن يفكر بالعودة وذلك فيما يتصل باحتمال ظهور حالات توتر اجتماعي بسبب عدم تسوية قوانين الملكية التي طبقت على أملاك الغائبين ناهيك عن استمرار العنف في البلد، لذا فإن الإسراع بإعادة ملايين اللاجئين إلى بلدهم في خضم حالة الغموض التي تكتنف الأمور لن تعود إلا بالوبال على الهدف المتمثل بعودة اللاجئين عودة آمنة وطوعية ودائمة، ناهيك عن الضرر الذي سيلحق باستقرار سوريا على المدى البعيد في حال الإسراع بإعادة السوريين إلى بلدهم.
ولهذا إن رغبت الدول بمساعدة السوريين على العودة إلى بلدهم بشكل آمن، وضمان استقرار الدولة السورية الجديدة مستقبلاً، فعليها أن تضمن للاجئين أن يتخذوا قرارهم طواعية وأن يكون بوسعهم الرجوع عنه.
حالياً، هنالك أمل كبير يحدو رغبة السوريين بإعادة بناء بلدهم، ولذلك قد يسعى معظمهم للعودة إلى الوطن بشكل دائم، ولكنه من المبكر جداً تقييم عدد حالات العودة أو ديمومتها، إذ إن المبالغة في الإعلان عن أعداد اللاجئين العائدين ومدى شيوع تلك الفكرة بينهم في ظل وضع مشحون بالمخاطر الأمنية والسياسية مع انعدام الاستقرار على المستوى الإنساني يهدد بتأجيج السياسات التي ظهرت في الدول المضيفة والتي تدفع باللاجئين إلى رمي أنفسهم في حضن المخاطر.
خطة “فلنتريث حتى نرى”
خلال الأيام التي تلت سقوط الأسد، وجد بعض المراقبين في صور أرتال السيارات التي احتشدت على الطريق الواصل لدمشق وحلب دليلاً على أن أغلب السوريين المقيمين في دول الجوار سارعوا في العودة إلى بلدهم، ولكن سرعان ما اتضح لهم بأن معظم تلك السيارات أتى بها نازحون في الداخل السوري، إذ يقدر مكتب المفوضية الأممية العليا لشؤون اللاجئين وجود أكثر من 660 ألف سوري نزحوا داخل سوريا منذ فترة قريبة وتحديداً في مطلع شهر كانون الأول لعام 2024، كما قدرت المفوضية في الثاني من كانون الثاني بأن 115 ألف سوري تقريباً دخلوا البلد من المعابر الحدودية الرسمية وذلك منذ سقوط الأسد، ما يدلل على زيادة كبيرة في عدد العائدين مقارنة بما كانت عليه الأعداد خلال السنوات الماضية.
ومع ذلك ما يزال هذا العدد يمثل نسبة ضئيلة من إجمالي اللاجئين السوريين المنتشرين في مختلف بقاع العالم، كما أن بعض من دخلوا إلى سوريا أتوا بقصد زيارة الأهل أو لتفقد وضع بيوتهم بعد سنوات من الفراق، ما يعني بأنهم لا يعتزمون العودة بشكل نهائي، إذ مثلاً من بين 22 ألف سوري دخلوا سوريا من الأردن ابتداء من 8 كانون الأول وحتى 25 منه هنالك فقط أزيد من ثلاثة آلاف منهم مسجلين كلاجئين في الأردن، أي أن الغالبية إما أتوا من دولة ثالثة أو لديهم وضع قانوني آخر يبيح لهم العودة إلى الأردن، بما أن اللاجئين السوريين المسجلين في الأردن لم يسمح لهم حتى الآن بالعودة إلى الأردن في حال مغادرتهم لأراضيه، ووفقاً لتقرير صادر عن المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين حول السوريين أجري بعد الثامن من كانون الأول، فإن الغالبية الساحقة من اللاجئين السوريين الموجودين في دول الجوار تتبنى فكرة: “فلنتريث حتى نرى” بالنسبة لمسألة العودة إلى سوريا.
مبررات جديدة للنزوح
والحق يقال إن بعض من بقيوا في سوريا حتى الآن قد يضطرون إلى الرحيل عنها، إما بسبب الخوف من تجدد العنف أو بسبب عدم وضوح المستقبل أمامهم، فقد رحل آلاف السوريين عن البلد خلال الأسابيع الماضية، حتى في الوقت الذي أخذت دول الجوار تضيق عليهم بالنسبة لمسألة دخولهم لأراضيها أو مع إبقائها لقيود صارمة على أي سوري يحاول دخول أراضيها، إذ إن الأخبار عن قيام هجمات استهدفت رموز الطوائف الدينية أثارت تخوفاً من حدوث تصعيد طائفي في البلد، حتى في الوقت الذي تسعى حكومة سوريا الجديدة لتهدئة الناس. كما أن استمرار الاقتتال بين الفصائل المسلحة التي لا تمثل الدولة في الشمال السوري وما مارسته إسرائيل من قصف وتوسع في احتلالها لأجزاء من جنوب غربي سوريا أوجد مبررات جديدة للنزوح.
وحتى لو استقر الوضع السياسي والأمني في سوريا، فإن مستوى الدمار والاحتياج على الصعيد الإنساني جعل أغلب السوريين يترددون في أمر العودة، بما أن 90% من السوريين باتوا يعيشون تحت خط الفقر، ولم يعد بوسع الدولة أن توفر الخدمات للمواطن بعد سنوات من الحرب، ومع اشتداد موجة البرد في الشتاء، نكتشف بأن ملايين السوريين الذين يعيشون في الداخل ليس لديهم مأوى يوفر لهم الدفء، وبالطبع لا يوجد أي مأوى دافئ بوسع اللاجئين والنازحين العودة إليه.
في تقييم أصدرته لجنة الإنقاذ الدولية مؤخراً في لبنان، تبين بأن الغالبية الساحقة من اللاجئين الذين أجريت معهم مقابلات ليس لديهم مكان بوسعهم أن يسكنوه في الداخل السوري، ولهذا ترى آمي بوب وهي المديرة العامة لمنظمة الهجرة الدولية بأن العودة الجماعية المبكرة للسوريين “قد تضغط على البنية التحتية الهشة في سوريا، مما قد يجبر الأهالي على الرحيل من جديد”.
التضييق على اللاجئين
يخشى أغلب السوريين من خسارة الحماية التي حصلوا عليها في الدول المضيفة في حال عودتهم إلى سوريا، على الرغم من أن مفوضية اللاجئين أعلنت بأنها لا تعتبر الوضع في سوريا محققاً للشروط التي تبيح إنهاء صفة اللجوء بحق اللاجئين السوريين، ولهذا لا يجوز نزع صفة اللجوء على أساس تغير الحكومة فحسب.
على الرغم من أن القانون الدولي واضح بشأن ضرورة أن يختار اللاجئون طوعاً العودة إلى بلدهم حتى تنزع عنهم صفة اللجوء، أي عليهم أن يعودوا إلى بلدهم بشكل دائم وليس فقط لزيارته لفترة قصيرة، إلا أن التطبيق العملي لا يحترم هذا الشرط على الدوام، وذلك لأن دولاً مثل لبنان والدنمارك نزعت صفة اللجوء عن اللاجئين الذين زاروا بلدهم أو حرمتهم من أن يكونوا لاجئين لديها بعد تلك الزيارة.
ومما زاد مخاوف السوريين تضييق معظم الدول المضيفة على حقهم بالتقدم بطلب لجوء مع تسريع ترحيلهم وذلك قبل سقوط الأسد، إذ في لبنان وتركيا، عانى السوريين طوال سنوات من تفاقم حالات العنصرية والترحيل، أما في أوروبا، فقد خلق صعود الأحزاب المعادية للهجرة بيئة سياسية معادية للاجئين، ولذلك اعتبر بعض السياسيين ما يجري حالياً فرصة لتصعيد أجنداتهم المعنية بترحيل اللاجئين، بصرف النظر عن الظروف الأمنية في الداخل السوري.
إذ على سبيل المثال، أعلنت حكومة الدنمارك منذ عام 2019 بأن دمشق أصبحت آمنة أمام عودة اللاجئين، بيد أن الأخبار المريعة التي انتشرت خلال الأسابيع الماضية عن السجون الموجودة في العاصمة السورية عرت هذه المزاعم، وخاصة بعد العثور على جثة ناشط سوري عاد إلى البلد في عام 2020، ناهيك عن الأدلة التي توثق تعرض كثيرين للاعتقال والتعذيب والقتل طوال عقود.
خطوات على طريق العودة
ولهذا يجب أن يمنح اللاجئون الوقت والمعلومات الكافية حتى يقرروا مسألة عودتهم بمحض إرادتهم، إذ على الرغم من وجود أسباب كثيرة تدعو للتفاؤل بمستقبل سوريا، لن يتغير الوضع الأمني على الأرض بين ليلة وضحاها، كما أن ترحيل اللاجئين رغماً عنهم، أو سحب صفة اللجوء منهم خلال مرحلة مبكرة يقوض صفة الديمومة في عودة اللاجئين، فقد كشفت الأبحاث بأن الإعادة القسرية مع عدم توفر الدعم المخصص لإعادة الإندماج يمكن أن يدفع العائدين للنزوح من جديد أو التعرض للتهميش. ثم إن التسرع بإعادة اللاجئين إلى بلدهم قد يهدئ من روع الأصوات المناهضة للهجرة، لكنه يمثل خرقاً لحقوق اللاجئين وقد يتسبب بمفاقمة حالة انعدام الاستقرار في الدول الأصلية وفي دول الجوار أيضاً.
ولذلك، يجب على الدول المضيفة أن تشدد من جديد على التزامها بحقوق اللاجئين وطالبي اللجوء، كما يجب على الحكومات أن تلتزم بالقانون الدولي الذي يحظر الحرمان من حق اللجوء بناء على الفئة التي ينتمي إليها المهاجر، مع الإقرار بأن أغلب السوريين مايزالون يتعرضون لأخطار عديدة بعد سقوط الأسد، إذ في خضم الجهود الساعية لإقامة حالة مصالحة في الداخل السوري، سيبقى إرث العنف والصدمات حاجزاً أمام عودة كثيرين.
كما يجب على الحكومات أن تؤكد وبشكل علني مواصلتها تقديم الحماية للاجئين الراغبين بزيارة سوريا قبل أن يتخذوا قرار عودتهم إليها بشكل دائم، لأن هذا النهج من شأنه تسهيل عودتهم بشكل دائم في نهاية المطاف، بما أنه يساعد السوريين في الاطلاع بشكل كامل على المخاطر والوضع المحلي في مناطقهم من دون أن يخشوا من فقدان صفة اللجوء التي منحت لهم. ولهذا، وفي خطوة واعدة، أعلنت تركيا عن آلية مخصصة للسوريين يقومون من خلالها بإجراء زيارات قصيرة إلى بلدهم خلال النصف الأول من عام 2025، وهذا ما يتيح لهم زيارتها لعدة مرات قبل أن يتخذوا قرار العودة من عدمه.
وفي نهاية المطاف، يجب على الدول المضيفة أن تعترف بأن أغلب السوريين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الجديد لمجتمعاتها، بعد أن أصبح أكثر من 300 ألف لاجئ سوري مواطنين في دول الاتحاد الأوروبي، وحصل غيرهم كثيرون على الإقامة الدائمة. ومع تفاقم أزمات العمل التي تهدد القوى العاملة الهرمة في الدول الأوروبية، لم تعد الحكمة تقتضي بالضرورة استعجال السوريين بالعودة إلى بلدهم، ثم إن السوريين أصبحوا يمثلون شريحة مهمة وأساسية ضمن القوى العاملة في الدول المجاورة لسوريا.
يعتبر اللاجئون السوريون عنصراً أساسياً لإعادة بناء البلد، سواء إن عادوا إلى بلدهم أو ظلوا يقدمون الدعم السياسي والاقتصادي من مغترباتهم، وهذه المساعي بدأت منذ أمد وما تزال تعمل في الوقت الراهن، كما أن الدعم الدولي للمبادرات التي يترأسها سوريون مهم للغاية، ولكن في الوقت الذي يفكر السوريون بمستقبلهم على طريقتهم، فإن أقل ما يمكن للدول المضيفة أن تقدمه لهم هو أن تمنحهم الوقت الكافي لاتخاذ قرارتهم الصعبة بأنفسهم.
المصدر: The Foreign Policy
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي