سوريا

سلام مفاجئ.. أطفال “داريا” يبنون بيوت أحلامهم بعد الحرب

شاهد هذا الموضوع -سلام مفاجئ.. أطفال “داريا” يبنون بيوت أحلامهم بعد الحرب- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع

كبر أطفال داريا الذين شردتهم الحرب في مختلف أنحاء سوريا، وهم يحملون أسرارهم في قلوبهم، إذ ظلوا يسألون أنفسهم: لماذا لا توصلهم سوى أمهاتهم إلى المدرسة؟ لماذا قتل آباؤهم؟ ومن الذي قتلهم؟

لا يقتصر الأمر على عجز الناس عن الإجابة على هذا السؤال، بل إن إجابتهم بصوت عال عن هذه الأسئلة في ظل حكم بشار الأسد كان يعني تهديد حياتهم بمصير مماثل لمصير آبائهم. والآن، وبعد سقوط الأسد، ألقت الحرب بعد 14 سنة حملاً ثقيل الوطأة على عاتق أطفال سوريا، في حين أعلن الأهالي بأنهم ضاقوا ذرعاً من تحمل خساراتهم التي كان عليهم أن يخفوها أيام الأسد.

في الوقت الذي يحاول حكام سوريا الجدد رسم النهج الذي سيسير عليه تعليم مادة تاريخ سوريا في المدارس السورية، يسعى التلاميذ الذين لم يعرفوا بحياتهم سوى الحرب للتغلب على صدمات الماضي، في حين يحاول المعلمون والمتخصصون بالصحة العقلية أن يقيّموا احتياجات الطلاب وطريقة معالجتها.

تعليقاً على ذلك تقول المعالجة النفسية يارا الأشتر: “إن لم تتسن لك مساحة للإقرار بحزنك، فإنه لن يخرج منك بطريقة طبيعية طوال حياتك”.

تحدي القراءة العربي 2024 (انترنت)

كانت داريا وضواحي دمشق الجنوبية القلب النابض للثورة السورية التي قامت ضد الأسد في عام 2011، وخلال الحرب التي تلتها، حاصرت قوات النظام البائد تلك الضواحي وقصفت أغلبها، فهدمت البيوت وحولتها إلى ركام، وجوعت من بقي فيها من مقاتلي المعارضة والمدنيين على حد سواء.

وبحلول عام 2012، فر معظم الأهالي بجلدهم وسعوا لتأسيس حياة جديدة لهم في مناطق لا يعرفونها، ومعظم هؤلاء الأهالي رحلوا من دون أن يرحل معهم الذكور من أقربائهم والذين آثروا البقاء من أجل القتال أو اختفوا قسرياً على يد قوات أمن النظام البائد.

“كل ذلك لا يعوض عن وجود أب لابنتي”

في تلك الفترة، كانت عبير الكشك، التي أصبح عمرها الآن 44 عاماً، ما تزال ترضع صغيرتها سديل، لكنها غادرت داريا مع طفلتها التي حملتها على ذراعها في حين أمسكت ابنتها ناديا التي كان عمرها وقتئذ سبعة أعوام بذراعها الأخرى.

بقي غيث زوج عبير في داريا ليقاتل، لكنه فارق الحياة بعد سنة، واحتاجت عبير لوقت أطول حتى تعثر على المفردات المناسبة لتخبر طفلتيها برحيل أبيهما، إذ كانت أجهزة المراقبة والتجسس التابعة لنظام الأسد تخترق كل الحدود لدرجة أن الناس عندما كانوا يقولون: (الحيطان إلها أدان) كانوا يعنون ذلك ولكن بشيء من الهزل، ولهذا خشي الأهل من الحديث بمطلق الحرية في البيت، لأن أولادهم قد يكررون ما سمعوه خارج البيت.

تقول عبير: “كان من الخطر عليهما الحديث عن أي شيء يخص أباهما في المدرسة، ولو سألهما أحدهم عما جرى لعجزتا عن إخباره”.

كانت سديل، التي أصبح عمرها الآن 13 سنة، تحدق بصمت وهي ترى الآباء الذين يسيرون برفقة بناتهم في الشوارع، وتسأل أمها عن السبب الذي حرمها من أن يكون لها أب هي أيضاً.

تعلق عبير على ذلك بالقول: “كان ذلك الإحساس موجوداً على الدوام ولا يمكنك أن تهرب منه، ولا تستطيع أن تبوح بما حدث، ولكن كل ما فعلته لم يكن كافياً، لأن كل ذلك لا يعوض عن وجود أب لابنتي”.

في ظل غياب اللغة التي تعبر عن الفقدان والخسارة، أصبح الأطفال عاجزين عن التعامل مع حجم الحزن الذي يكتنف قلوبهم برأي المعالجة النفسية يارا، التي تعمل لصالح منظمة إنارة الخيرية التي تدعم الأطفال المتضررين بسبب الحرب، والآن، وبعد رحيل النظام، أصبحت يارا تعمل على تخصيص مساحات صديقة للأطفال في مدينة داريا.

بعد أيام على فرار الأسد من سوريا، عمت الأفراح مدينة دمشق كما تفجر فيها غضب عارم أظهره من كبتوه لفترة طويلة، وذلك بعد أن علم معظم الأهالي بأن المفقودين من أحبائهم قد فارقوا الحياة على الأغلب، وتوحد من قسمتهم خطوط النزاع والجبهات، فأتى رامي، شقيق غيث، الذي بقي طوال سنين يعيش في منطقة يسيطر عليها الثوار، لرؤية ابنتي شقيقه.

099800

تتذكر عبير ما جرى فتقول: “لم أكن أدري أن لديهما كل هذا الفيض من المشاعر المخبأة داخلهما”، إذ بمجرد أن عبر عمهما الباب رمت كل منهما بنفسها عليه وشرعتا بالنحيب والبكاء القادم من أعمق أعماقهما، وعانقتاه بقوة لدرجة جعلت الأم تخال بأنهما لن تفلتانه أبداً.

نكبات واحتياجات

بحسب تقديرات اليونيسيف، يحتاج أكثر من سبعة ملايين وخمسمئة ألف طفل في مختلف أنحاء سوريا لمساعدات إنسانية، في حين تزرح ضواحي دمشق المنكوبة تحت وطأة آثار نفسية ثقيلة خلفها الإحساس بالحرمان.

إذ في جوبر، بالكاد تجد بيتاً بوسع أهله العودة إليه، أما في داريا، فتجد الأطفال يلعبون ضمن مساحات أوجدوها بين الركام وبين ما خلفته الصواريخ من حفر، وتجد الصبيان الصغار يرتدون معاطف مبطنة من دون أن يرتدوا جوارب، ولهذا يحرقون إطارات السيارات حتى ينعموا بالدفء. ولهذا حذرت المنظمات الخيرية المتخصصة بإزالة الألغام من خطر الموت أو الإصابة بسبب الذخائر التي لم تنفجر بعد في تلك المنطقة.

خنقت العقوبات والفساد الاقتصاد السوري، وكانت الأسر النازحة من أشد المتضررين من كل ذلك، فقد انتقلت عبير مع طفلتيها إلى جديدة عرطوز وهي ضاحية أخرى تقع جنوبي دمشق، إذ عثرت هناك على شقة تحتوي على بعض الأثاث بوسعها أن تدفع فواتيرها.

عملت عبير في وظيفتين لكنها بقيت تعاني، إذ بعد غروب الشمس تعيش الأسرة في ظلام دامس بسبب عدم توفر المال اللازم لشراء مولد للكهرباء، كما ينتابها البكاء في بعض الأحيان بسبب إحساسها بالإعياء، لكنها تحاول أن تكبت دموعها، لأن سديل تحولت إلى إسفنجة تمتص مشاعر أمها السلبية، وعنها تقول الأم: “لقد استوعبت كل شيء”.

في مدينة دوما التي تبعد مسافة 24 كيلومتراً، ذكر المعلمون بأن طلابهم يعانون من حالة انسحاب وانطواء أو صخب مفرط، وبأن تقديرهم لذاتهم ضعيف، ولديهم صعوبة في التركيز، وعندما تعثر طفل في السابعة من عمره وكسر ذراعه خلال هذا الأسبوع، خلص الأطباء إلى أنه يعاني من ضعف في العظام بسبب سوء التغذية.

قبل الحرب التي شنها النظام البائد، كان معظم أطفال سوريا مسجلين في المدارس، أما اليوم فقد أصبحت نسبة تسجيلهم في المدارس هي الأدنى على مستوى العالم، كما هبطت جودة التعليم بحسب رأي المعلمين، وأصبح التلاميذ الصغار في الصف الثاني مثلاً يتعرضون لضغط يدفعهم للتسرب من المدرسة من أجل البحث عن عمل بأجر، أو لتقديم الرعاية لأحد أفراد أسرتهم.

في الضواحي التي خضعت لسيطرة المعارضة السورية، وتعرضت بالتالي لهجمات قوات الأسد، عانى المعلمون هم أيضاً من صدمات، وخافوا أن ينقلوا ذلك لتلاميذهم، وهذا ما دفع دلال محمد عقيل، 54 عاماً، وهي مديرة مدرسة ابتدائية في مدينة دوما، إلى القول: “عندما كان النظام يقصف المدارس، كان الأهالي يخشون من إرسال أولادهم إلى هنا، لكني كنت أخبرهم بأننا لن ندع الأطفال يتعرضون لأي أذى، على الرغم من أني كنت أعرف بأن تعابير وجهي تكشف حقيقة أخرى تماماً في معظم الأحيان”.

بعد عودة قوات النظام للسيطرة على المدينة في عام 2018، اعتقلت دلال عقيل بتهمة التعاطف مع الثوار، وخضعت للاستجواب أربع مرات، ولهذا ما تزال تحتفظ بأوراق رسمية تكشف تجميد أصول عائلتها وحرمانهم من السفر، وعن ذلك تقول: “كان علي أن أتظاهر في المدرسة بأن ذلك لم يحدث، وذلك لأن الأطفال تعرضوا لصدمات، والأشخاص المعنيون بتقديم الرعاية لهم مصابون بصدمات هم أيضاً، ولكن لم يكن أمامنا سوى أن نستمر على هذه الحال”.

مطار شيخبول بأمستردام

كان النظام البائد يقيم في كل عام مسابقة لكتابة المقالة على مستوى البلد يتنافس عليها الطلاب السوريون، وهنا تتذكر عقيل كيف ساورها القلق تجاه ما قد يكتبه الأطفال على الورق، ولهذا تقول: “شجعنا الطلاب على الكتابة عن حياتهم، فكتبت إحدى التلميذات قصة كانت فيها صادقة أشد الصدق، ما دفعني لأن أطلب منها أن تركز على الكتابة بطريقة مختلفة، وأن تتحدث عن الصداقة وقيم الأسرة”، فاختيرت القصة التي أعادت تلك الطفلة كتابتها كفائزة بالجائزة.

في جديدة عرطوز، تخبرنا عبير بأنهم طلبوا من سديل في العام الفائت أن تكتب شيئاً في مديح الأسد وجيشه، فغضبت الفتاة أشد الغضب لدرجة دفعتها للتهديد بعدم الذهاب إلى المدرسة مجدداً في حال أجبروها على ذلك.

والآن، بدأت الحكومة السورية الجديدة بكتابة المناهج المدرسية في سوريا، إذ أعلنت المعارضة التي أسقطت الأسد بأنهم سيحذفون كل النصوص التي تمجد حكم آل الأسد الذي امتد لعقود في هذا البلد، بيد أن الأمر المقلق أكثر من ذلك هو أن “الثوار” ألمحوا في البداية إلى أنهم قد لا يولون أي أهمية لتدريس نظرية التطور والتربية المدنية والتاريخ قبل ظهور الإسلام.

ماذا بعد؟

كانت السرعة التي انهار بها النظام سوريالية ومحيرة بالنسبة للأطفال الذين كبروا والخوف مزروع بداخلهم، ففي داريا، افتتح فريق من المتطوعين والمتخصصين النفسيين لدى منظمة إنارة باحة للعب أمام الأطفال وذلك حتى يقوموا من خلالها بتقييم حجم الاحتياجات التي لم تلبّ لديهم.

بمجرد أن عبر الأطفال عتبة تلك الساحة، بدا الاسترخاء واضحاً على أجسامهم، كما نصبت المنظمة مدفأة جعلت الغرفة دافئة لدرجة دفعت الصغار إلى خلع معاطفهم وأوشحتهم.

أخذ الأطفال يلعبون ضمن مجموعات صغيرة بالمكعبات الملونة التي بنى معظمهم بيوتاً بها، إذ ذكر طفل في العاشرة من عمره للمتخصصة النفسية رهف بيات بأن الشكل الذي صنعه مخصص لعدد قليل من الأشخاص حتى تتوفر لهم مساحة كافية لينعموا فيها بالراحة، وأضاف: “سأبني لهم مسبحاً”.

وبالقرب من هذا الطفل، أخذت سديل تعبس وهي في قمة التركيز أثناء تلوينها بأقلام فلوماستر سقف مبنى مصنوع من الورق المقوى، في حين أخذت صديقتاها فاطمة وسيرين ترسمان جدران البناء بكل أناقة، وهذا ما جعل المتخصصة رهف تقول: “معظم بيوت الأطفال لا يوجد فيها أية نوافذ على الإطلاق، كما أن أغلب الأطفال الموجودين هنا فقدوا أهلهم وذويهم، ولهذا باتوا بحاجة لرعاية كبيرة اليوم”.

أعربت عبير عن فخرها بابنتها ناديا، التي أصبح عمرها الآن 19 عاماً، بعد أن التحقت بجامعة دمشق، وفي إحدى المكالمات الهاتفية، ذكرت عبير بأن ناديا أخبرتها بأنها فخورة بها، وبأنها تريد أن تعوضها عن السنين التي ضحت خلالها من أجلها هي وأختها، ثم اختتمت حديثها بالقول: “شكراً لك يا أمي.. أحبك”.

ذ

كان في ذلك عزاء وسلوان لعبير التي ظل القلق يساورها بسب اقتراب موعد إخلائها للبيت الذي تعيش فيه، وتفكيرها بالطريقة التي يمكنها هي وسديل من خلالها أن تتأقلما مع الوضع الجديد.

في مختلف أنحاء المدينة، أعدت المدارس والجمعيات الخيرية قوائم ضخمة بما قد يحتاجه الأطفال خلال الشهور القادمة، ابتداء من الضروريات الأساسية وصولاً إلى الاستثمار على المدى البعيد في نوعية التعليم والتعافي الاقتصادي الذي بوسعه تحسين فرصهم في الحياة. وفي هذه الأثناء، أخبرنا الأهالي بأنهم يقومون بما بوسعهم القيام به لضمان عثور أولادهم أخيراً على المساحة التي يمكنهم من خلالها أن يعبروا عن أنفسهم على الأقل.

وعندما سأل الصحفيون المديرة دلال عقيل عما ترغب أن تراه في كتابات الطلاب ومقالاتهم، ابتسمت وقالت: “كل شيء.. أريدهم أن يكبروا وهم يعرفون أنفسهم، ولا أريد لهم أن يشعروا بالخوف بعد اليوم”.

  

المصدر: The Washington Post

يذكر بأننا قد نشرنا لكم أعلاه تفاصيل ,سلام مفاجئ.. أطفال “داريا” يبنون بيوت أحلامهم بعد الحرب, نرجوا بأن نكون قد وفقنا بتقديم التفاصيل والمعلومات الكاملة.
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.

رابط الخبر الأصلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى