استثناءات محدودة من العقوبات الأميركية على سوريا.. الدلالات السياسية والاقتصادية
شاهد هذا الموضوع -استثناءات محدودة من العقوبات الأميركية على سوريا.. الدلالات السياسية والاقتصادية- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، يوم الإثنين 06 كانون الثاني 2025، عن إصدار رخصة عامة تحمل رقم (24)، تتيح إجراء معاملات محددة مع المؤسسات الحكومية السورية، وذلك حتى تاريخ 7 حزيران 2025، أي لمدة 6 أشهر؛ حيث يأتي هذا القرار كاستثناء جزئي من العقوبات الأميركية الصارمة المفروضة على سوريا منذ سنوات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب في سوريا من قبل نظام الأسد والميليشيات التابعة له، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في مختلف المناطق، مثل الغوطة في ريف دمشق، إضافة إلى قمع المعارضة السياسية والمجتمعية. ويهدف القرار إلى معالجة احتياجات إنسانية محددة عبر تسهيل التحويلات المالية الشخصية ودعم قطاع الطاقة في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعانيها البلاد، التي تركها بشار الأسد في حالة يُرثى لها لما يقارب 14 عاماً بعد الثورة السورية التي استخدم كل قدراته الاقتصادية لمواجهتها.
أولاً: تفاصيل الرخصة وأهدافها المعلنة
وفق البيان الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، تشمل الرخصة عدة استثناءات، منها:
- التعامل مع المؤسسات الحكومية السورية: يسمح بالمعاملات بعد تاريخ 8 كانون الأول 2024.
- قطاع الطاقة: تشمل الرخصة بيع وتوريد وتخزين وتبرعات مرتبطة بالطاقة، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والكهرباء، داخل سوريا أو إليها.
- التحويلات المالية الشخصية: تُسهّل الرخصة تحويل الأموال الشخصية غير التجارية إلى سوريا عبر البنك المركزي السوري، لمدة 6 أشهر فقط.
ثانياً: استثناءات وشروط الرخصة
أكدت وزارة الخزانة الأميركية أن الرخصة لا ترفع العقوبات بشكل كامل أو جزئي بمعناها الشامل، بل تضع قيوداً صارمة، تشمل:
- الأصول المحجوبة: لا تشمل الرخصة إلغاء حجب الأصول المجمدة بموجب العقوبات الأميركية.
- الكيانات العسكرية والاستخباراتية: يُحظر أي تعامل مع الجهات العسكرية أو الاستخباراتية السورية.
- المعاملات مع روسيا وإيران: تمنع الرخصة أي معاملات مرتبطة بالحكومة الروسية أو الإيرانية.
- استثمارات جديدة: لا يُسمح بالاستثمارات في سوريا، باستثناء بعض النفقات التشغيلية مثل أجور الموظفين.
ثالثاً: دلالات الرخصة وأبعادها
الإطار الإنساني: رسالة دعم للحد من معاناة السوريين المستمرة بعد سقوط الأسد
تُركز الرخصة بشكل أساسي على دعم التحويلات المالية الشخصية وقطاع الطاقة، وهو ما يعكس هدفاً إنسانياً لتخفيف المعاناة الناتجة عن العقوبات الاقتصادية الصارمة. ومع ذلك، فإن عدم السماح بالاستثمارات أو إعادة الإعمار أو تطوير بنية قطاع الطاقة يعكس استمرار التحفظ الدولي تجاه دعم الإدارة الجديدة بشكل كامل.
يبدو أن هذا الإجراء مصمم بعناية لتحقيق توازن بين توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين السوريين وتجنب تقوية الإدارة الجديدة اقتصادياً أو سياسياً، مع الإبقاء على الضغط الدولي للدفع نحو حل سياسي مستدام في سوريا الجديدة بعد سقوط الأسد، لضمان عدم تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا التي شهدت انخفاضاً في الدعم خلال السنوات الفائتة.
في هذا الإطار، يقول الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد تركاوي: “إن هذه الإجراءات هي رسالة للشعب السوري تفيد أن إدارة الولايات المتحدة ملتزمة بدعم المدنيين حتى خلال الأيام الأخيرة لإدارة بايدن”.
رسائل سياسية: تحفيز الانتقال السياسي
يرسل القرار رسالة واضحة عن وجود رغبة أميركية في استمرار معاقبة الشخصيات المدرجة في قوائم العقوبات وضمان عدم إعادة تدويرها مجدداً، مع بدء الاعتماد على شخصيات جديدة تحظى بقبول محلي ودولي. هذا التوجه يمهد لضخ دماء جديدة في الإدارة السورية واقتصاد سوريا المستقبل.
يشير القرار أيضاً إلى محاولة دولية لدفع الإدارة الجديدة نحو تغييرات سياسية جوهرية تُسهم في استقرار سوريا، وضمان إنهاء نفوذ المتورطين في ممارسات النظام السابقة. كما أن هذا القرار قد يُعد اختباراً لمصداقية الإدارة السورية الجديدة في تنفيذ إصلاحات تُمهّد لتسوية سياسية شاملة في البلاد، وتعزيز القبول الدولي، مع الحد من تأثير القوى الداعمة للنظام مثل إيران وروسيا التي ما تزال قواعدها العسكرية موجودة في سوريا. الدول الغربية تحاول الضغط على الإدارة الجديدة للعمل على دفع روسيا لسحب قواتها بالكامل من سوريا.
يضيف الباحث الاقتصادي خالد تركاوي: “إن هذه الإجراءات هي أيضاً رسالة للإدارة الجديدة بأن عملية تخفيف العقوبات ليست لصالح الفصائل أو الأشخاص المفروض عليهم عقوبات سابقاً، بل هي فقط في إطار تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري”.
قطاع الطاقة: استقرار داخلي وتجنب حصول مضاعفات
بما أن إنتاج الكهرباء وقطاع النفط السوري يعانيان من التدهور ودمار في البنية التحتية وشبكات النقل، فقد تكون هذه الرخصة خطوة استباقية لتهيئة الظروف لاتفاقيات إقليمية مثل مد الكهرباء عبر تركيا والأردن مباشرة، أو عبر محطات عائمة متوقعة على سطح البحر، التي يُتوقع أن تُرسلها كل من قطر وتركيا لتوليد الكهرباء ومدها إلى سوريا.
تساهم هذه الرخصة في ضمان توفير الطاقة للمواطنين في سوريا. كما قد تمثل محاولة لاستكشاف قنوات دعم دولية أو إقليمية جديدة لتخفيف الضغط الاقتصادي عن المناطق الأكثر تضرراً، بما يضمن توفير الخدمات الأساسية ومنع انهيار البنى التحتية الحيوية.
التحويلات المالية: دعم غير مباشر للمجتمع المدني
من خلال تسهيل التحويلات الشخصية عبر البنك المركزي السوري، تسهم الرخصة في توفير دعم اقتصادي غير مباشر للمجتمع المدني، لكنها تضع قيوداً مشددة تمنع استخدامها لدعم النشاطات التجارية أو الجهات الخاضعة للعقوبات.
يفتح هذا الإجراء نافذة للمنظمات الإنسانية والإغاثية للعمل بمرونة أكبر داخل سوريا، مما يساعد في تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين. ومع ذلك، تبقى هذه المنظمات مُلزمة بالتقيد بلوائح صارمة لضمان عدم تسرب أي دعم مالي أو عيني إلى الكيانات والأشخاص المدرجين على قوائم العقوبات، وهو ما يفرض عليها العمل تحت رقابة دولية مشددة لضمان شفافية العمليات واستمرار التزامها بالقوانين.
وأشار تركاوي إلى أن “الرخصة تمكن الجمعيات والمنظمات الإنسانية الأميركية أو شبه الأميركية من دراسة المشاريع التي يمكن تنفيذها أو الجلوس مع المؤسسات الحكومية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. لكن 6 أشهر لا تكفي لتنفيذ هذه المشاريع، بل فقط تكفي لاستكشاف الحاجات وتوقيع العقود على أعلى تقدير”.
رابعاً: الأبعاد الاقتصادية والسياسية للرخصة العامة
اقتصادياً: استثناءات محدودة
تشمل الرخصة معاملات محددة لا تمثل رفعاً للعقوبات، بل تعليقاً مؤقتاً لبعضها لمدة 6 أشهر؛ حيث إن الاستثناءات لا تسمح باستثمارات جديدة أو بإدخال معدات متقدمة لصيانة قطاع الطاقة أو الطيران، مما يحد من تحسن تنموي كبير على مستوى الاقتصاد الكلي، لكنه يحسن من مستوى الاقتصاد اليومي والاحتياجات اليومية التي يحتاجها المواطنون. لأن التركيز على العمليات الإنسانية دون تطوير البنية التحتية يؤدي إلى استمرار القيود على الاقتصاد، وهذا يعكس استمرار الحذر الدولي تجاه تقديم أي دعم للإدارة الجديدة يعزز قدرتها على فرض شروطها على المجتمع الدولي أو يمكّنها من التفاوض بخطاب أقوى.
ومع ذلك، يمكن من خلال هذه الاستثناءات للشركات التجارية شراء المنتجات والسلع والخدمات وجلبها إلى سوريا، على عكس ما كانت تضطر للقيام به سابقاً باللجوء إلى دولة وسيطة. حيث يشير تركاوي في هذه النقطة إلى أن “الشركات التجارية الأميركية تعاملها مع سوريا ضعيف أصلاً، إذ كان يتم جلب المنتجات من خلال بلد آخر ثم إلى سوريا. بالتالي، البضائع والبرمجيات يمكن شراؤها من أميركا مباشرة الآن دون الحاجة إلى وسيط، وخصوصاً المنتجات الحكومية المرتبطة بالشؤون المدنية على سبيل المثال”.
سياسياً: اختبار للانتقال السياسي
السماح بالتعامل مع المؤسسات الحكومية السورية يُعتبر خطوة “جس نبض” للمرحلة المقبلة، خصوصاً مع الحديث عن احتمال تشكيل حكومة انتقالية بعد بضعة أشهر. ويدل ذلك على رغبة أميركية في مراقبة التحولات السياسية السورية؛ إذ إن هذه الخطوة قد تُفسر أيضاً كإشارة إلى استعداد دولي للتفاعل مع تغييرات محتملة في بنية السلطة، إذا ما أظهرت الحكومة السورية جدية في التغيير.
كما أنها تُمهّد الطريق لتقييم مدى قابلية المؤسسات السورية للالتزام بالشروط الدولية، وهو عامل قد يؤثر مستقبلاً على توسيع نطاق الاستثناءات أو تشديد العقوبات بناءً على الاستجابة السياسية والإدارية للنظام.
تشكل الرخصة العامة رقم 24 استثناءً محدوداً لكنه مهم، حيث يهدف إلى تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية على السوريين دون إضعاف نظام العقوبات بالكامل. ومع ذلك، فإن هذا الاستثناء يعكس استراتيجية أميركية تراقب عن كثب التحولات السياسية والاقتصادية في سوريا، مع إبقاء الضغط لتحقيق انتقال سياسي يعزز الاستقرار ويحد من النفوذ الإقليمي المزعزع للأمن في المنطقة.
رغم استثناءات الرخصة وأهميتها، يظل المجتمع السوري أمام تحديات اقتصادية واجتماعية عميقة، فالتحويلات المالية قد تُعزز الاستقرار جزئياً لكنها لا تعالج جذور الأزمة الاقتصادية، أما فتح الباب أمام صفقات قطاع الطاقة فيبقى مقيداً بعدم السماح باستثمارات جديدة أو إدخال تقنيات حديثة.
يبقى السؤال الذي سيتكشف مع مرور الوقت: هل ستكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة وانفتاح أكبر على العلاقات وتخفيف أوسع للعقوبات، أم مجرد إجراء مؤقت؟
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي