السوريون في دمشق يستعيدون حرياتهم التي حرموا منها في عهد الأسد
شاهد هذا الموضوع -السوريون في دمشق يستعيدون حرياتهم التي حرموا منها في عهد الأسد- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
طوال ردح كبير من حياتها، كانت سمية عناية تمضي ليالي الجمع في الصيف على قمة جبل قاسيون المشرف على مدينة دمشق، ويشاركها في ذلك سوريون كثر كانوا يرتادون ذلك المكان ليحتسوا القهوة ويدخنوا النارجيلة وليتناولوا الذرة المشوية التي تباع هناك.
ولكن بعد فترة قصيرة من اندلاع الثورة السورية في عام 2011، أغلق جيش بشار الأسد الجبل دون المدنيين، وفجأة حل الجنود مع دباباتهم محل الأهالي والأصدقاء الذين كانوا يطلقون الألعاب النارية نحو السماء، كما نصبت راجمات المدفعية التي أخذت تدك المناطق التي يسيطر عليها الثوار أسفل الجبل.
تجدد الانتماء للبلد
في عشية رأس هذه السنة، وبعد أسابيع قليلة من خلع النظام السوري، عادت سمية، 56 عاماً، برفقة أسرتها إلى جبل قاسيون حاملين معهم وجبات خفيفة ومرطبات وأوشحة تقيهم من برد الشتاء القارص، فاستعادوا بذلك تلك البقعة المفضلة التي كانوا يستمتعون بارتيادها أيام العطل.
تحمل سمية إجازة بالأدب العربي وهي أم لأربعة أولاد، وأخذت تقول وهي تقف عند حافة الجبل وتشير إلى عدد من أهم معالم دمشق: “عدنا الآن والحمد لله، ولهذا أحس وكأنه صار بوسعي أن أتنفس من جديد”.
أما ابنها محمد قطفاني، 21 عاماً، وهو طالب جامعي يدرس طب الأسنان، فقد قال: “أصبحنا نحس بأن المدينة عادت إلينا”.
في عموم دمشق، بل في معظم أنحاء سوريا، استعاد السوريون بل اعتنقوا منذ فترة قريبة مساحات وحريات سلبت منهم تحت حكم الأسد، إذ كانت هنالك مناطق يحرم على السوريين العاديين دخولها إلى جانب الأشياء التي حرموا من التفوه بها عندما كان آل الأسد في السلطة، ولهذا يخبرنا كثيرون بأنهم كانوا يشعرون بعدم انتمائهم إلى بلدهم خلال تلك الفترة.
ترقب حذر في ظل الفوضى السائدة
ولكن مع الإحساس الجديد بالحرية ظهر شيء من الخوف تجاه المستقبل في ظل حكومة شكلها ثوار إسلاميون قد يفرضون بمرور الوقت قيوداً وحدوداً جديدة على الناس.
يراقب معظم السوريين كل قرار وكل إعلان وكل تصريح بوصفه مؤشراً على الطريقة التي سيحكمهم بها حكامهم الجدد، إذ خلال الأسبوع الماضي، أعلن القائد الجديد الذي نصب نفسه على سوريا، أي أحمد الشرع، بأن عملية وضع دستور جديد للبلد قد تستغرق سنتين إلى ثلاث سنوات، وبأن إجراء انتخابات يحتاج لأربع سنوات، وهذا ما أثار ذعر السوريين الذين خشيوا أن يكونوا قد استبدلوا مستبداً بمستبد آخر.
والآن، ثمة نسبة من الفوضى في ظل الحكومة المؤقتة وهي تسعى لتحدد أولوياتها في مجال وضع الإجراءات التي تعمل على بناء الدولة مع تقديمها لتلك الإجراءات على غيرها من الأمور، إذ بعد التخلص من كثير من القيود والقوانين الاقتصادية، صار الرجال والولدان يبيعون الغاز المهرب بجرار كبيرة على نواصي الشوارع، وذكر الأهالي بأن حركة المرور في المدينة أضحت بلا أي تنظيم، بوجود عدد ضئيل من شرطة المرور في الشوارع، فضلاً عن انتشار ظاهرة ركن السيارات في طابور ثان.
على الرغم من القلق السائد، أصبح الناس يعودون إلى مناطق واسعة في دمشق أو يعيدون اكتشافها من جديد، وهكذا صرنا نسمع في الشوارع أغاني الثورة التي كانت توصل مغنيها إلى السجن قبل شهر من الزمان فحسب.
يخبرنا يمان السابق وهو أحد قيادات التجمعات الشبابية كيف كانت بلده تحت حكم الأسد، فيقول: “لم نكن نرى دمشق أو أي مدينة أخرى بكامل تفاصيلها، فقد توقفنا عن ارتياد الأماكن العامة التي كنا نحس بأنها ليست لنا، بل للنظام”.
بدأت منظمته التي تعرف باسم فريق سند للتنمية، بتنظيم جهود الشباب للمساهمة في تنظيف الشوارع وتنظيم المرور، وهذا ما جعله يقول: “عندما تحررت دمشق شعرنا بتجدد إحساسنا بأن البلد لنا، ولهذا خرج الناس حتى يكتشفوا مدينتهم من جديد”.
بعد مرور شهر تقريباً على التقدم الخاطف للثوار، مزقت صور نظام الأسد السابق ودمرت رموزه، وصار الأطفال يلعبون بالقواعد والركائز التي كانت تحمل تماثيل الأسد الأب والابن، كما أحرقت الجداريات التي تغطي مساحات شاسعة من البلد والتي تحمل شعارات مؤيدة للنظام البائد ومناصرة له.
القرار بيد الشعب السوري
في يوم غائم وممطر، وفي غرفة الانتظار الموجودة في مدرج كان مقراً لحزب البعث الحاكم سابقاً، والذي كان يمثل القبضة الأمنية الشمولية لآل الأسد والتي سيطرت على الخطاب السياسي في البلد، تجمع مئات الأشخاص ليستمعوا إلى الممثلة والناشطة السورية يارا صبري وهي تتحدث عن الآلاف من المعتقلين والمفقودين من أبناء وبنات البلد، وفي تعليقها عن مستقبل سوريا قالت: “جميعنا يقرر كيف سيكون البلد وكيف نريده أن يكون”.
قبل أسابيع، كانت يارا تعيش في المنفى بسبب نشاطها السياسي، والآن نراها تقف على منصة وتخطب بالناس وفوقها علق العلم السوري الجديد بلونه الأخضر، أما على مدخل البناء، فمايزال العلم السوري القديم وعلم حزب البعث يغطي المساحة بصورة جزئية.
تحدثنا سلمى هنيدي المسؤولة عن تنظيم هذه الفعالية بأنهم اختاروا هذا المكان عن قصد، وتضيف: “إننا نعتبر ذلك انتصاراً، لأنه لم يكن بوسعنا تنظيم أي نشاط في هذا المكان، والآن لا نقيم فيه الأنشطة فحسب، بل تلك الأنشطة المهمة التي تفضح النظام السابق”.
فمنذ فترة قريبة، عقدت فعالية لمناقشة موضوع كتابة دستور جديد لسوريا في البناء نفسه.
خيارات أوسع
تعلق سلمى على ذلك بقولها: “أصبحنا نحس بأن سوريا أضحت أكبر وشوارعها أرحب، بعد نزع الصور التي كانت تزعجنا، والشعارات التي كانت تضايقنا، لأننا كنا نحس بتضييق شديد علينا في السابق”.
إذ حتى التفوه بكلمة (دولار) كانت تودي بقائلها إلى السجن في ظل حكم الأسد، ولذلك راجت عملية صرف العملات الأجنبية التي كانت محظورة لسنوات تحت حكم الأسد، وانتشرت في كل مكان، وصار الرجال يسيرون في الأسواق ويصيحون: “صرافة.. صرافة!” فيما قام بائع متخصص بالمأكولات الشتوية بعرض أكوام من الليرات السورية مقابل حصوله على ورقة نقدية جديدة من فئة المئة دولار.
أما محمد مراد، 33 عاماً، فقد جلس في سيارته على ناصية الشارع، مرتدياً قبعة تحمل ألوان علم سوريا الجديد، وعلق على شباك سيارته لوحة كتب فيها: “صرافة: دولار، يورو، تركي”.
منذ فترة طويلة ومحمد يعمل بتصريف العملات، ولكن بعد حظر النظام السابق للعملات الأجنبية، تحول عمل محمد إلى الوضع المخفي، ولهذا إن كان أي زبون بحاجة لدولار أو يورو، يتوجه محمد إلى بيت هذا الشخص ليسلمه المبلغ الذي كان يخفيه داخل أحد جوربيه.
يخبرنا محمد أنه في سوريا الجديدة صار يقف في الطابور عند المصرف المركزي ليصرف ألف دولار مقابل حصوله على كومة من الأوراق النقدية بالليرة السورية، وعندما يأتيه الزبائن ليسألوا عن سعر الصرف يؤكد لهم بأنه يقدم لهم أفضل سعر.
على ناصية الشارع، بدت رفوف متجر صغير أقيم في زاويته مختلفة تمام الاختلاف عما كانت عليه حال المتجر قبل أسابيع قليلة، وذلك عندما كان يتعين على صاحبه تهريب العلامات التجارية الأجنبية وإخفائها عن أعين معظم الزبائن.
يقول صاحب هذا المتجر واسمه حسام الشريف: “كنت لا أبيع تلك العلامات التجارية إلا لزبائني الدائمين الذين يعرفون بأني أبيعهم بضاعة مهربة لم أكن أعرضها على أي شخص يدخل إلى متجري”.
أما اليوم، فقد أصبحت المنتجات السورية تعرض إلى جانب العلامات التجارية القادمة من تركيا وأوروبا والولايات المتحدة، كما صار الزبائن يدخلون إلى المتجر ويسألون صاحبه بكل صراحة: “نريد النسكافيه الأصلية”.
قبل ثلاث سنين، دخل ضابط إلى متجره فرأى بيضات كيندر بالشوكولا في واجهة زجاجية وضعها في الخلف، ففرض عليه غرامة قدرها 600 ألف ليرة سورية أي ما يعادل خمسين دولاراً تقريباً، فضلاً عن سجنه لمدة شهر، وماتزال قضيته قيد النظر في المحكمة حتى الآن.
بالعودة إلى جبل قاسيون، أخذ رجل يبيع ألعاباً نارية مهربة من لبنان، وبعد ساعات على ذلك، أضاءت السماء بتلك الألعاب معلنة بدء عام 2025.
انشغل علي معادي، 35 عاماً، بنصب كشك لبيع المشروبات والوجبات الخفيفة والنارجيلة، إذ قبل الحرب، كان لدى أسرته استراحة صغيرة في ذلك الجبل، وعند عودته إليها قبل عشرة أيام، اكتشف بأن جنود النظام استخدموا الاستراحة كمقر لهم وكسروا كل ما فيها حتى المراحيض، ولهذا قرر أن يعيد بناء كل شيء على مهل.
وبواسطة مكبري صوت وضعهما في خلفية سيارته البيجو، سمح لأغاني المظاهرات السورية وللأغاني الشعبية بأن تهدر في الطريق، ومنها سمعنا كلمات هذه الأغنية:
بدنا نعشق بدنا نحب
بدنا نمشي كل الدرب
بدنا نتعلم الرجولة
ونحب الشام من القلب
شوفوا شامنا عن قرب
وبالقرب من هذا المشهد، جلست إلى إحدى الطاولات آية كلاس، 28 عاماً، وهي أخصائية تجميل، إلى جانب الشاب الذي سيصبح خطيبها واسمه خالد القاضي، 26 عاماً، ليستمتعا بالمشهد، إذ كانت آخر مرة زارت فيها الجبل عندما كان عمرها 15 عاماً بحسب ما أخبرتنا، وقالت: “أي مكان تحرم منه ترغب بالعودة إليه”.
خلال فترة من الفترات، لم تعد آية تميز دمشق التي عاشت فيها كل حياتها، وهذا ما دفعها للقول: “حرمنا من السير في شوارع بأكملها بسبب وجود ضابط في الجيش أو مسؤول في الدولة يعيش فيها” ويعلق خالد على قولها فيقول: “ولهذا نحس بأننا أصبحنا نرى البلد بعين جديدة، وكأننا سياح، بل أصبحنا نحس بأن بلدنا عادت لنا من جديد”
المصدر: The New York Times
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي