مدة كتابة الدستور بين المنطق والتحديات: كيف ستُدار الدولة؟
شاهد هذا الموضوع -مدة كتابة الدستور بين المنطق والتحديات: كيف ستُدار الدولة؟- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
مع انتهاء معركة السوريين بإسقاط حكم عائلة الأسد، بدأت سوريا مرحلة جديدة مليئة بالتحديات يعد ملف صياغة الدستور في طليعتها، باعتباره الركيزة الأساسية لتأسيس نظام جديد يلبي تطلعات الشعب السوري ويضمن حقوقه، بعد سنوات من الاستبداد الذي كرسته عائلة الأسد.
ومع تأكيد قائد الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، أن صياغة الدستور الجديد قد تستغرق سنوات، أثير جدل واسع في الأوساط السورية، بين من يرى المدة طويلة وغير مبررة، وبين من يعتبرها ضرورية لصياغة دستور يعكس توافقا حقيقيا بين مكونات الشعب السوري.
يحاول موقع “تلفزيون سوريا” تقديم قراءة حول هذا التصريح من خلال استعراض آراء قانونيين وحقوقيين للإجابة على السؤال الأبرز: هل المدة التي أعلنها الشرع منطقية ومبررة؟
دساتير سوريا
قبل الخوض في جدلية منطقية المدة التي حددها الشرع لكتابة دستور جديد، لابد من التوقف عند تاريخ الدساتير السورية، الذي يعكس التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد منذ استقلالها وحتى اليوم.
ويتجاوز تاريخ الدساتير السورية قرنا من الزمن، شهدت البلاد خلاله 13 دستورا مختلفا، عكست في مضمونها تحولات سياسية واجتماعية، ورغم هذا التاريخ الدستوري الطويل، فإن سوريا خلال حكم عائلة الأسد وعلى مدار 53 عاما لم تشهد سوى دستورين فقط، مما يعكس هيمنة النظام واستبداده.
ويمكن تقسيم دساتير سوريا إلى ثلاث حقبات رئيسية، أولها حقبة ما قبل حكم حزب البعث، بدأت بدستور عام 1920، الذي يعتبر أول دستور لسوريا بعد تأسيس الدولة الملكية عقب انهيار الدولة العثمانية، إلا أن هذا الدستور لم يكتب له الاستمرار، حيث تم إلغاؤه بعد دخول القوات الفرنسية إلى دمشق.
دستور 1930 يعتبر أحد المحطات الدستورية المهمة في تاريخ سوريا، حيث تم إعداده في ظل الانتداب الفرنسي واستند إلى مشروع الدستور الذي أقرته الجمعية التأسيسية في عام 1928، وبقي معمولا به حتى عام 1950.
أما دستور 1950 يُعتبر من أفضل الدساتير في تاريخ سوريا، حيث أقر بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي وأتى نتيجة لنقاشات مستفيضة ضمن جمعية تأسيسية منتخبة.
وما يميز دستور 1950 أمرين الأول أنه صاغه نخبة من أبرز السياسيين وكبار رجال القانون في سوريا، على رأسهم ناظم القدسي الحاصل على دكتوراه في القانون الدولي من جامعة جنيف، والأمر الثاني تميزه بكونه شاملاً ومتقدماً في تنظيمه لشكل الدولة ومبادئ الحكم، ما جعله أساسا يُستند إليه عند كل منعطف تاريخي في سوريا.
وعقب ذلك شهدت سوريا صياغة أربعة دساتير خلال مرحلة الانقلابات العسكرية، وهي دساتير أعوام 1953 و1958 و1961 ودستور 1962.
الحقبة الثانية تمثل فترة حزب البعث ما قبل استيلاء عائلة الأسد على الحكم، حيث شهدت صياغة ثلاثة دساتير رئيسية، إذ أقر دستور عام 1964 من قبل ما يسمى “المجلس الوطني لقيادة الثورة”، بينما جاء دستور عام 1966بعد انقلاب 23 فبراير/شباط العسكري بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد ضد الرئيس أمين الحافظ، واستمر العمل به حتى اعتماد دستور عام 1969.
أما الحقبة الثالثة، فهي فترة هيمنة عائلة الأسد على الحكم، والتي بدأت بدستور مؤقت عام 1971، وأُصدر عقب انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في الحزب، وظل نافذا حتى عام 1973، حيث أقر دستور جديد هدفه إضفاء الشرعية على هيمنة نظام الأسد، إذ نص على أن “حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع”، مما ألغى أي تعددية سياسية حقيقية.
وظل هذا الدستور معمولا به لمدة 39 عاما حتى أجبرت الثورة السورية بشار الأسد على تعديله عام 2012 وإلغاء المادة الثامنة، ورغم هذه التعديلات، اعتبر الدستور الجديد مخيبا لآمال الكثير من السوريين الذين كانوا يتطلعون إلى تغيير جذري يعكس تطلعاتهم للحرية والديمقراطية.
المدة منطقية؟
بعد أيام من سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية التابعة للحكومة السورية المؤقتة، عبيدة أرناؤوط، تجميد العمل بالدستور والبرلمان خلال المرحلة الانتقالية التي ستستمر لمدة ثلاثة أشهر.
وكما هو الحال في انتصار أي ثورة يستدعي تطوير نظام دستوري جديد ينهي سيئات ماضيه وآثامه، يترقب السوريون ملامح نظام الحكم المقبل في البلاد، والذي سيُحدد عبر دستور جديد، قد يستغرق إعداده ثلاث سنوات، وفق تصريحات أحمد الشرع.
وقال الشرع خلال مقابلته الأولى مع وسيلة إعلامية عربية، الأسبوع الماضي، إن”إعداد وكتابة دستور جديد في البلاد، قد يستغرق نحو 3 سنوات، وتنظيم انتخابات قد يتطلب أيضا 4 سنوات”، مشيراً إلى أن “أي انتخابات سليمة ستحتاج إلى القيام بإحصاء سكاني شامل وهذا يتطلب وقتا”.
وأكد قانونيون ومحامون لموقع “تلفزيون سوريا” على منطقية المدة التي أعلنها الشرع، بالنظر إلى الوضع الحالي في سوريا.
ويرى أستاذ القانون الدولي ممتاز سليمان أن الدول التي تشهد ثورات عادة ما تحتاج إلى فترة استقرار تتراوح بين سنة وخمس سنوات، وذلك تبعا لطبيعة البلد وظروف الشعب والمشكلات التي تواجه، وفي الحالة السورية، من المتوقع أن تتراوح هذه الفترة بين سنة إلى ثلاث سنوات، لضمان استقرار الوضع السياسي وإجراء الانتخابات العامة.
واعتبر سليمان لموقع “تلفزيون سوريا” أنه لا يمكن صياغة دستور وتوقيعه بشكل رسمي دون إجراء انتخابات والعودة إلى مجلس الشعب، مشيراً إلى أهمية أن تكون هناك فترة زمنية كافية قبل صياغة الدستور واعتماده رسميا، لضمان مشاركة الشعب في هذه العملية من خلال انتخابات عامة واستطلاع رأيه حول الدستور المقترح.
من جهته، أكد المحامي السوري عارف الشعال أن تحديد مدة ثلاث سنوات لصياغة الدستور يعتبر أمرا منطقيا، خاصة إذا تضمنت العملية انتخاب جمعية تأسيسية، وإجراء مناقشات مكثفة للوصول إلى توافق بشأن النقاط الخلافية.
وفي حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، استشهد الشعال بتجارب دولية تُظهر الحاجة إلى الوقت في صياغة الدساتير، مشيرا إلى أن تونس استغرقت ثلاث سنوات لإعداد دستورها الجديد، بينما احتاجت جنوب أفريقيا إلى ما بين خمس وست سنوات.
مراحل ومخاوف
وحول طريقة إعداد الدستور، أكد الشعال أنه في حال انتخاب لجنة لصياغته فإن هذه اللجنة تقسم عادة إلى عدة لجان فرعية متخصصة حيث تتولى كل لجنة جانبا محددا في الدستور، فهناك لجنة تعنى بشكل الدولة، وأخرى تتولى صياغة المبادئ الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات، ولجنة تركز على هيكل النظام الحاكم، سواء كان برلمانياً أو رئاسياً، بالإضافة إلى لجان تُعنى بالمجالس التشريعية والمحكمة الدستورية.
أما في حال تم انتخاب جمعية تأسيسية لتولي هذه المهمة، فإن هذه الجمعية تتحمل مسؤولية وضع الآليات والقرارات التي تحدد سير العمل.
بدوره اعتبر سليمان أن عملية إعداد الدستور تمر بمرحلتين الأولى هي المرحلة التمهيدية والتحضيرية عبر لجان مختصة تعمل على كتابة المسودة، تليها المرحلة الثانية وهي عرض المسودة على الشعب للاستفتاء العام، وذلك وفق الأسس الديمقراطية.
ومع اقتراب مرحلة البدء في كتابة الدستور تظهر مخاوف من معوقات قد تعرقل الجهود الرامية إلى كتابة الدستور الجديد.
من أبرز هذه المعوقات، حسب سليمان، هي الحرب وعدم الاستقرار والتوافق وغياب المؤسسات الدستورية وعدم وجود مجلس شعب وحكومة تمثل كل أطياف الشعب السوري، مشيراً إلى أن المجتمع السوري متناسق فيما بينه ويريد العيش بسلام وأن يكون هناك دستور مدني للجمهورية السورية.
أما الشعال توقع أن تبرز خلافات حادة خلال عملية صياغة الدستور السوري الجديد، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحساسة التي تمس هوية الدولة وشكل نظام الحكم، حيث ستشكل مسألة العروبة والهوية وعلاقة الدين بالدولة محورا أساسيا للنقاشات، إضافة إلى قضايا مثل دين رئيس الدولة ومصادر التشريع.
كما توقع جدلا محتملا حول شكل الدولة ونظام الحكم، حيث قد ينقسم الرأي بين دعاة الفيدرالية، المركزية الواسعة، أو المركزية السياسية، مشيرا إلى أن هذه المسائل المعقدة قد تشكل أبرز العقبات أمام صياغة دستور.
دستور مؤقت؟
مع تعطيل العمل بالدستور الحالي والمدة الزمنية الطويلة لصياغة دستور جديد، يبرز تساؤل محوري حول كيفية إدارة الدولة خلال المرحلة الانتقالية، والأسس التي ستعتمد لتنظيم شؤون الحكم والإطار القانوني الذي سيُرجع إليه في ظل غياب دستور نافذ.
ومن المتوقع أن تشهد سوريا، خلال الأيام المقبلة، مؤتمرا للحوار الوطني يجري التحضير له، وأن تصدر عنه هيئة دستورية لبحث كتابة دستور جديد.
وحسب تصريحات إعلامية لمنسق مؤتمر الحوار الوطني في سوريا، محمد راسم قنطار، فإن الهدف المركزي للمؤتمر هو “تشكيل مجلس استشاري ذي صفة تشريعية يقوم بصياغة إعلان دستوري وإقراره”.
أستاذ القانون الدولي ممتاز سليمان اعتبر أن الدستور السوري الصادر عام 1950 بعد الاستقلال هو الأنسب للعمل به في الظروف الحالية على أن تقوم الحكومة بالتعديل في بعض بنوده.
ووصف سليمان دستور 1950 بأنه من أفضل الدساتير المميزة في سوريا ويمثل مرجعاً مهماً في صياغة المبادئ القانونية والدستورية، لكن مع إجراء التعديلات التي تتناسب مع متطلبات الحياة والظروف الراهنة التي تختلف جذريا عن خمسينيات القرن الماضي.
من جانبه يرى المحامي عارف الشعال أنه من المفترض أن تقوم الإدارة الجديدة في سوريا بإصدار إعلان دستوري أو وضع دستور مؤقت لتنظيم المرحلة الانتقالية.
وقال الشعال إن “التأخر بإصدار صك دستوري يملأ الفراغ التشريعي الحاصل سيربك عمل الدولة، نظراً لعدم وجود سلطة محددة تتولى عمل المشرع وإصدار التشريعات اللازمة لسير الدولة”.
وأضاف الشعال أن “الإدارة الجديدة تريد وضع اعلاناً دستورياً يمر عن طريق مؤتمر حتى يكتسب شرعية ما، وهذه مسألة طويلة نسبياً، لذلك وحتى ينعقد المؤتمر، يمكن اللجوء مؤقتاً لطريقة حسني الزعيم في سداد الفراغ التشريعي، حيث اتخذ طريقة إصدار مراسيم اشتراعية وجيزة ومتلاحقة بديلاً عن الإعلان الدستوري، منحته كامل السلطات الدستورية، بدأها بمرسوم تشريعي من عدة أسطر تولى بموجبه السلطتين التشريعية والتنفيذية، واستمر على هذا المنوال في تسيير أمور الدولة”.
وأكد أنه لا يوجد مانع أن يصدر أحمد الشرع صكاً، أو عدداً من الصكوك يتولى بموجبها بوصفه قائداً للثورة أو لإدارة العمليات، أو تتولى غرفة إدارة العمليات العسكرية الصلاحيات الدستورية مؤقتاً، بغية تسيير أمور الدولة.
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي