سوريا

سوريا الجديدة بين الجولاني والشرع

شاهد هذا الموضوع -سوريا الجديدة بين الجولاني والشرع- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع

هناك ثلاثة عناصر مفاجئة في التحول السوري. السقوط السريع لنظام الأسد والصعود الكبير لهيئة تحرير الشام من إدارة إدلب إلى إدارة سوريا، والشخصية الجديدة لزعيم الهيئة أحمد الشرع وكيفية إدارته لهذا التحول.

جزئياً، يُمكن فهم بعض جوانب التحول في شخصية الشرع كامتداد للتحول الذي أحدثته هيئة تحرير الشام على نفسها منذ أن انفصلت عن تنظيم القاعدة وتخلت عن الجهاد العابر للحدود. مع ذلك، يجد الكثير من المراقبين – بمن فيهم كاتب هذه السطور – صعوبة في فهم العوامل التي ساهمت في إنتاج الشخصية الجديدة لأبو محمد الجولاني كزعيم يُدير سوريا من منظور بعيد نسبياً عن إيديولوجية هيئة تحرير الشام لجهة التفكير بمنطق الدولة وإدراك خصوصية الحالة المجتمعية السورية، ولجهة محاولة صياغة سياسة خارجية واقعية تستند بدرجة أساسية على مصلحة سوريا في التفاعل الإيجابي مع مختلف القوى الفاعلة في الملف السوري بما في ذلك روسيا.

حقيقة أن الشرع وجد نفسه في نهاية المطاف كقائد جديد لسوريا في مرحلة التحول، تُفسر جانباً رئيسياً من جوانب التحول في شخصيته. لكن هذه الحقيقة، وعلى الرغم من أنها محورية في تشكيل هذه الشخصية، إلا أنها امتداد لحقائق أخرى استطاع الشرع التكيّف معها بسرعة لبلورة شخصية تبدو للوهلة الأولى وكأنها كانت في موقع القيادة الوطنية لسنوات طويلة.

حاجة الإدارة الجديدة إلى الحصول على اعتراف المجتمع الدولي بها تفرض على الشرع تبني منطق الدولة في مقاربة السياسة الخارجية لسوريا الجديدة

إن حاجة التحول السوري إلى النجاح تفرض قبل أي شيء على زعيم هيئة تحرير الشام التحول من منطق الفصائلية الثورية إلى منطق الدولة. في لحظة مفصلية من تاريخ سوريا، فإن منطق الدولة ومخاطبة كافة المكونات الاجتماعية والعرقية والفصائلية السورية، تُعظم في فرص نجاح التحول. كما أن حاجة الإدارة الجديدة إلى الحصول على اعتراف المجتمع الدولي بها تفرض على الشرع تبني منطق الدولة في مقاربة السياسة الخارجية لسوريا الجديدة.

تركت روسيا على سبيل المثال إرثاً سيئاً لدى الشعب السوري بفعل انخراطها في الصراع إلى جانب المخلوع بشار الأسد، لكنّها لا تزال قوة دولية قادرة على التأثير في سياقات التحول السوري. ويبدو خطاب الإدارة الجديدة تجاه موسكو مُصمم بدرجة رئيسية لتحييد احتمالية أن تلعب روسياً دوراً سلبياً في عملية التحول. يُمكن أيضاً استخلاص أن الشرع يحاول استثمار الحالة الروسية كورقة لتعزيز موقفه مع الغرب وعدم وضع رهاناته الخارجية في سلّة واحدة. 

يحاول الشرع استثمار الحالة الروسية كورقة لتعزيز موقفه مع الغرب وعدم وضع رهاناته الخارجية في سلّة واحدة

قد يتعين على الشرع في مرحلة ما أن يختار ما إذا كان سيتعين على روسيا التخلي عن وجودها العسكري في سوريا، لكنّه لن يفعل ذلك بأي حال قبل ضمان ترجمة الانفتاح الغربي على إدارته إلى خطوات عملية على غرار رفع هيئة تحرير الشام عن قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإزالة العقوبات الغربية المفروضة على سوريا لتحقيق انفراجة اقتصادية.

وعلى صعيد العلاقة مع الإقليم، فإن تبني الشرع خطاباً ودياً للغاية تجاه تركيا يبدو مفهوماً بالنظر إلى الدور المحوري الذي تلعبه أنقرة كمحفز للمجتمع الدولي للانفتاح على الإدارة الجديدة والتعامل معها. علاوة على ذلك، يعكس نهج الشرع تجاه أنقرة مقاربة واقعية للغاية تجاه العلاقة مع حليف قوي لسوريا الجديدة يُمكن أن يُساعدها في استعادة عافيتها على كافة المستويات.

تبدو العلاقة بين أنقرة والشرع مُعقدة إلى حد كبير ولا يُمكن فهمها بوضوح. لكن براغماتية تركيا في التكيّف السريع مع تصدر هيئة تحرير الشام المشهد السوري، تُنتج بطبيعة الحال تكيّفاً موازياً من قبل الشرع في نقل العلاقة مع أنقرة إلى منطق مشروع تحالف استراتيجي معها للاعتبارات السالفة الذكر.

براغماتية تركيا في التكيّف السريع مع تصدر هيئة تحرير الشام المشهد السوري، تُنتج بطبيعة الحال تكيّفاً موازياً من قبل الشرع في نقل العلاقة مع أنقرة إلى منطق مشروع تحالف استراتيجي معها

لا تقل صياغة علاقات متوازنة مع تركيا وروسيا والغرب تعقيداً عن تشكيل العلاقة مع المحيط العربي. لكنّ شخصية الشرع تُساعد إلى حد كبير في تأسيس أرضية مناسبة لعلاقة جيدة مع العالم العربي.

لا يخفى أن بعض الفاعلين العرب متوجسون من الإدارة السورية الجديدة لاعتبارات ترجع في الغالب إلى قلقهم من تصدر تنظيم جهادي المشهد السوري. إن رسائل الطمأنة التي يُرسلها الشرع لهؤلاء الفاعلين بشأن أهمية احتضان سوريا الجديدة كعنصر يُريد استعادة هويته الجيوسياسية التقليدية كجزء من المنطقة العربية وبشأن عدم رغبة سوريا الجديدة في تصدير تجربتها الثورية للمنطقة العربية على غرار ما فعلته الثورة الإسلامية في إيران، ساهمت جزئياً في تبديد هذه الهواجس العربية وحفّزت المزيد من الدول العربية على التواصل مع الإدارة الجديدة على الرغم من أن هذا التواصل لم يرتق بعد إلى المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه.

إن حاجة سوريا الجديدة إلى العرب لا ترجع فقط إلى ضرورة انخراطهم في عملية إعادة الإعمار، بل تُشكل ركيزة أساسية لاستعادة الهوية الجيوسياسية لسوريا والتي طمسها نظام الأسد الابن والأب لما يقرب من ستة عقود.

حاجة سوريا الجديدة إلى العرب لا ترجع فقط إلى ضرورة انخراطهم في عملية إعادة الإعمار، بل تُشكل ركيزة أساسية لاستعادة الهوية الجيوسياسية لسوريا

لا يزال العالم يترقب بحذر الكيفية التي سيُدير بها الشرع عملية التحول السياسي، لكنّ الشخصية الجديدة لأبو محمد الجولاني تختصر الكثير من الوقت والمسافات على المجتمع الدولي للوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ والوقوف إلى جانب سوريا لإنجاح عملية التحول. في هذه المرحلة، فإن انتظار إدارة مثالية بالكامل للشرع لعملية التحول، لن يكون واقعياً، لكنّ شخصية الشرع تُقدم فرصة كبيرة للسوريين للرهان على الإدارة الجديدة وللمجتمع الدولي لتبني نهج واقعي قادر على التأثير الإيجابي على عملية توجيه التحول السوري.

يذكر بأننا قد نشرنا لكم أعلاه تفاصيل ,سوريا الجديدة بين الجولاني والشرع, نرجوا بأن نكون قد وفقنا بتقديم التفاصيل والمعلومات الكاملة.
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.

رابط الخبر الأصلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى