وقود مفقود وأسعار مرتفعة.. لماذا اختفى المازوت المحسن من الشمال السوري؟
شاهد هذا الموضوع -وقود مفقود وأسعار مرتفعة.. لماذا اختفى المازوت المحسن من الشمال السوري؟- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
تشهد مناطق إدلب وريف حلب الشمالي أزمة غير مسبوقة في تأمين الوقود، حيث يعاني السكان منذ قرابة شهر من غياب مادة المازوت المحسن، وتعود جذور هذه الأزمة إلى خلافات أوقفت التوريدات إلى المنطقة، لتُحكم الحصار الاقتصادي على سكانها الذين يعتمدون على هذا النوع من الوقود في حياتهم اليومية، سواء في تشغيل المولدات الكهربائية، أو وسائل النقل، أو التدفئة.
والمازوت المحسن هو وقود يُنتَج محلياً في محطات تكرير بدائية تقع في ريف حلب الشمالي، ثم يُحسَّن ويوزع في إدلب وريفها ليصبح جاهزاً للاستخدام. يتميز هذا النوع من المازوت بسعره المنخفض مقارنة بالمازوت الأوروبي، مما يجعله الخيار الأول للتدفئة وتشغيل الأفران والمشافي والمركبات، رغم جودته المتواضعة.
وفي ظل معاناة العائلات من غلاء المازوت الأوروبي وصعوبة شرائه بسبب ارتفاع سعره، تتفاقم الأزمات المعيشية الأخرى المرتبطة بارتفاع أسعار النقل والبضائع، ما يجعل هذه الأزمة واحدة من أشد التحديات التي تواجه السكان في الشمال السوري، لا سيما في فصل الشتاء وزيادة الطلب على الوقود.
ووفقاً لآخر نشرة صادرة عن شركة “السلام” التجارية حول أسعار المشتقات النفطية، بلغ سعر لتر المازوت الأوروبي 36.80 ليرة تركية، بينما بلغ سعر المازوت المحسن 24.64 ليرة تركية، وسجلت أسطوانة الغاز 446 ليرة تركية، مما يعكس الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات عموماً.
أسباب الأزمة وأثرها على المجتمع
غياب المازوت المحسن عن معظم المحطات أدى إلى ارتفاع حاد في أسعاره عند توفره، حيث وصل سعر الليتر الواحد إلى 33 ليرة تركية مقارنة بـ24 ليرة قبل الأزمة، مما أجبر السكان على استخدام المازوت الأوروبي المستورد.
قال “فيصل مكسور”، العامل في شركة “السلام” التجارية للمحروقات، لتلفزيون سوريا: “السبب الرئيسي وراء نقص المازوت المحسن يعود إلى قلة عدد محطات التكرير العاملة مقارنة بالطلب المتزايد، خاصة بعد المعارك الأخيرة في المنطقة”. وأضاف أن الكميات المتوفرة في السوق لا تزال محدودة، مما تسبب في أزمة حادة.
في السياق ذاته، أشار عبد الواحد جويني، صاحب محطة وقود “الجويني” في مدينة الأتارب غربي حلب، إلى أن غياب مادة المازوت المحسن من الأسواق يعود إلى عدة أسباب معقدة، أبرزها الخلافات التي نشبت بين الموردين الأساسيين لمادة الفيول القادمة من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). تصاعدت هذه الخلافات بسبب مطالب الموردين في مناطق “قسد” برفع الأسعار بحجة غلاء تكاليف النقل والتكرير، إلا أن الجهات المسؤولة عن استيراد المحروقات في الشمال السوري رفضت تلك المطالب، مما أدى إلى توقف عمليات التوريد بشكل شبه كامل.
وأوضح الجويني أن المازوت المحسن المتوفر حالياً في بعض المحطات مصدره الخزانات الاحتياطية المتواجدة في محطات تكرير النفط بشمال شرقي حلب، بالإضافة إلى المخزون الاحتياطي لمحطات الوقود في الشمال السوري، الذي أصبح الآن فارغاً لدى العديد من المحطات.
وفي حديث مع تلفزيون سوريا، أكد مدير العلاقات العامة في مديرية المشتقات النفطية، أحمد سليمان، أن إدلب لديها مصدران للحصول على المازوت: الأول مستورد من الخارج عبر معبر باب الهوى، ويُعرف باسم المازوت الأول لجودته ومواصفاته العالمية، والثاني هو المازوت المحلي المحسن.
وأشار سليمان إلى أن المستورد يتمتع بجودة عالية، أما المحسن فهو أقل جودة ويتم إنتاجه في وحدات تكرير بدائية، ثم تُستكمل إجراءات تحسينه في إدلب.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
ألقت الأزمة الراهنة بثقلها على مختلف شرائح المجتمع، حيث يواجه أصحاب السيارات وأصحاب الأعمال الصغيرة كلفة تشغيلية مرتفعة نتيجة الاعتماد على المازوت الأوروبي، كما زادت الأعباء على الأسر في فصل الشتاء الذي يتطلب كميات أكبر من الوقود للتدفئة.
بالإضافة إلى ذلك، تسبب الاعتماد على المازوت الأوروبي، الذي حلّ بديلاً عن المازوت المحسن، في موجة من الأعطال الميكانيكية أرهقت أصحاب السيارات في الشمال السوري. وتحدث صاحب ورشة لتصليح السيارات في مدينة سرمدا، أحمد خالد، لموقع تلفزيون سوريا، عن طبيعة هذه الأعطال قائلاً: “إن توجه السكان لتعبئة سياراتهم بمادة المازوت الأوروبي بعد أن كانوا يستخدمون المازوت المحسن أسفر عن تعطل محركات السيارات، إذ أدى هذا التغيير إلى تلف بخاخات السيارات، والتي تتراوح كلفة إصلاحها بين 100 و600 دولار حسب نوع السيارة”.
وأضاف: “إلى جانب ذلك، تعرّض صباب الضغط في محركات السيارات للتلف نتيجة تغيير نوعية المازوت، ما يكلف بين 50 و150 دولاراً أميركياً لإصلاحه. وفي بعض الحالات، تعطل طقم الإصلاح بالكامل، ما يرفع الكلفة إلى قدر بين 300 و700 دولار. أما في الحالات الأسوأ، فقد تعطل المحرك بالكامل، ما يتطلب كلفة تصل إلى 500 دولار على أقل تقدير”.
وأشار إلى أن هذه الأعطال أصبحت شائعة بشكل كبير مؤخراً نتيجة غياب المازوت المحسن، ما يجعل أصحاب السيارات يعانون من كلفة مزدوجة؛ الوقود الغالي والصيانة المتكررة.
وفي ريف حلب الشمالي، وصف أحمد هلال، وهو سائق سيارة أجرة، المعاناة اليومية التي يعيشها بسبب الأزمة قائلاً: “كنت أعتمد على المازوت المحسن لأنه يوفر أداءً جيدًا لمحرك السيارة وبكلفة أقل، ولكن مع توقفه اضطررت إلى استخدام المازوت الأوروبي، ما أسفر عن تعطل السيارة بشكل متكرر، الأمر الذي جعل العمل في مهنة القيادة بالكاد يغطي احتياجاتي اليومية”.
وأوضح أن محطات الوقود التابعة لحكومة الإنقاذ، مثل “العربية”، “طيبة”، و”السلام”، لا تزال توفر المازوت المحسن اعتماداً على مخزونها الاحتياطي، ولكن التعبئة تتطلب الوقوف في طوابير السيارات لمدة تقارب الساعة.
وتابع: “المازوت الأوروبي متوفر دائماً، لكنه غالٍ جداً. وفي فصل الشتاء، يحتاج العديد من السكان إلى الوقود للتدفئة، لكن حتى الآن لا نرى حلولاً، ولهذا فإن الوضع يزداد سوءاً كل يوم مع غياب المازوت المحسن.”
وفي السياق ذاته، تحدث مهند حايد، أحد السائقين العاملين على خط الأتارب – سرمدا، لموقع تلفزيون سوريا قائلاً: “كنت أعمل على هذا الخط منذ سنوات، وكانت أجرة الراكب محددة بـ10 ليرات تركية للشخص الواحد، ولكن بعد انقطاع المازوت المحسن وارتفاع أسعاره، اضطررنا لاستخدام المازوت الأوروبي وزيادة الأجرة إلى 20 ليرة تركية.” وأوضح أن السبب ليس فقط ارتفاع أسعار الوقود، بل أيضاً الكلفة المتكررة لصيانة السيارات التي أصبحت عبئاً كبيراً عليه.
وأضاف: “السيارة تحتاج إلى صيانة أسبوعياً تقريباً، سواء للبخاخات أو صباب الضغط أو طقم الإصلاح، مما يسبب إرهاقاً مادياً كبيراً. وإذا لم نرفع الأجرة، لن نستطيع تغطية هذه الكلفة”.
بدوره، أشار خالد عبد الرحيم، وهو سائق يعمل على خط سرمدا – إدلب، إلى تأثير ارتفاع أسعار الوقود على أجور المواصلات قائلاً: “قبل الأزمة، كانت أجرة الرحلة من سرمدا إلى إدلب 25 ليرة تركية، وكان الركاب يجدونها معقولة. ولكن الآن، بعد ارتفاع أسعار المازوت المحسن وصعوبة تأمينه، أصبحت الأجرة 50 ليرة تركية”.
وأضاف أن الركاب يشتكون من ارتفاع الأجرة، لكنه مضطر لرفعها لتغطية كلفة الوقود والصيانة.
هذا وأثقلت الأجور المرتفعة كاهل السكان الذين يعتمدون على وسائل النقل للتنقل اليومي بين المدن والبلدات. وقال أحمد سليمان، وهو أحد الركاب، في حديثه لتلفزيون سوريا: “كنت أدفع 10 ليرات للذهاب إلى سرمدا، والآن أصبحت 20 ليرة، وهذا يعني ضعف الكلفة. الأمر نفسه ينطبق على خط سرمدا – إدلب. نحن مضطرون للتنقل، ولكن ارتفاع الأجور يجعل حياتنا أكثر صعوبة، خاصة مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها”.
تأثير شامل على الاقتصاد المحلي
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي سامر الحسن، في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا، أن أزمة الوقود الحالية لها أبعاد واسعة التأثير على الاقتصاد المحلي في الشمال السوري، قائلاً: “غياب المازوت المحسن وارتفاع أسعار المازوت الأوروبي لا يقتصر تأثيرهما على الأفراد فقط، بل يمتد إلى كافة القطاعات الاقتصادية. فارتفاع كلفة الوقود يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة أسعار النقل والبضائع، مما يسبب تضخماً واضحاً في الأسواق، وهذا التضخم ينعكس سلباً على القوة الشرائية للسكان الذين يعانون بالفعل من أوضاع معيشية صعبة”.
وأضاف: “قطاع النقل تحديداً هو الأكثر تأثراً، حيث يعتمد السائقون بشكل أساسي على المازوت المحسن ذي الجودة المنخفضة مقارنة بالمستورد من تركيا. ولذلك؛ فإن النتيجة المباشرة للأزمة هي انخفاض حركة النقل التجاري وإعاقة وصول البضائع والمواد الغذائية إلى الأسواق”.
وفيما يتعلق بالسائقين وأصحاب السيارات، أكد الحسن أن الأزمة تضيف أعباء مالية ضخمة عليهم، قائلاً: “السيارات في الشمال السوري، خاصة الأوروبية منها، ليست مصممة لاستخدام أنواع عديدة من المازوت، ولذلك أصبحت الأعطال الميكانيكية شائعة بشكل كبير، مما يجبر أصحاب السيارات على دفع مبالغ ضخمة للصيانة. هذا الضغط المالي يؤدي إلى خروج الكثير من السائقين من العمل، مما يقلل من خدمات النقل المتاحة”.
وأشار الحسن إلى أن استمرار غياب الحلول وكثرة السيارات المعطلة سيؤدي بلا شك إلى زيادة البطالة بين السائقين وانخفاض كبير في عدد وسائل النقل العاملة، محذّراً من أن استمرار هذه الأزمة سيزيد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على السكان.
واختتم الحسن تصريحه بالتأكيد على ضرورة تحرك الجهات المعنية بسرعة لإيجاد حلول فورية لهذه الأزمة، قائلاً: “تأمين التوريدات وضبط الأسعار أصبح ضرورة ملحّة لتخفيف الأعباء عن السكان وإنقاذ الاقتصاد المحلي من المزيد من الانهيار. تجاهل هذه الأزمة قد يؤدي إلى عواقب كارثية”.
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي