حول أمويّة سوريا
شاهد هذا الموضوع -حول أمويّة سوريا- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
اندفع الطوفان البشري في شوارع سوريا، معلناً نهاية حكم الأسد، وحكم الثورة الإيرانية التي كان الأسد غطاءً غير مستترٍ لها. تُحدِّثنا شاشات التلفزة عن فرحة الشباب والرجال والنساء بهذا النصر في يوم جمعة النصر بانتهاء عصر الطغيان والقمع والموت، إذ إن معظم من حضر في ميادين سوريا ركز على عودة الروح إلى الشعب والبلاد، وعودة هوية سوريا الأموية. فهل سوريا أموية؟
تعود سوريا، من شمالها إلى جنوبها، إلى أمويّتها، والأموية لا تعني، هنا، مذهبا دينياً بعينه، بل هي فكرة ثقافية متوسطية، هي تحالف للعرب مع المسيحيين اليونانيين. يوحنا الدمشقي وقبله جدّه منصور بن سرجون ومن يمثلون مع الفاتحين العرب. تعني موقفاً ثقافياً منفتحاً على مختلف طوائف سوريا الغنوصية الفلسفية الموغلة بالتاريخ.
حيث، وبكل تأكيد، لم تكن تلك البلاد فارغة على عروشها ساعة الفتح العربي، بل كانت مدائن الشام عامرة شامخة برجالها ونسائها وفلاسفتها وملوكها وقصصها الضاربة بالتاريخ، وما كان دخول العرب إليها سوى تحالفاً كبيراً، بين قبائل الغساسنة التي استوطنت جنوبي سوريا حتى دمشق بشكل أساسي، وبين العرب الباحثين عن نقطة انطلاق لحلمهم الكبير بتغيير الشرق والعالم بعد سنوات طويلة من الموت والحرب والاقتتال على أرضنا بين الفرس والروم.
تعود سوريا، من شمالها إلى جنوبها، إلى أمويّتها، والأموية لا تعني، هنا، مذهبا دينياً بعينه، بل هي فكرة ثقافية متوسطية، هي تحالف للعرب مع المسيحيين اليونانيين.
كانت الدولة الأموية تكويناً قومياً سورياً استفاد، بشكل من الأشكال، من راية العرب وقوتهم الصاعدة لبناء صيغة حضارية عظيمة متّكئة على التجربة الآرامية والخزّان الحضاري الضخم للسريانية والهيلنستية، لتمتزج مع التوحيد الذي أتى مع العرب، فتتفاعل وتنتج ما عرف بالحضارة العربية الإسلامية، التي تقاطعت مع قرارات مجمع خلقيدونية 451 م، الرافضة طرْح النسطورية حول أنسنة الإله. طرد نسطور من القسطنطينية وانتقل أتباعه إلى وادي الرافدين (ميزوبوتاميا) حيث انتشر مذهبه وتمدد.
كانت الأموية تحالفاً حضارياً بين الأقليات الفيثاغورثية الغنوصية التي عاشت في كنف التحالف العربي مع السوري، بعيداً عن سردية المشاحنات بين الصحابة والخلفاء، والصراع على الحكم الذي استمرت تداعياته حتى يوم الثامن من كانون أول 2024، وهو اليوم الذي أعتقد أنه نهاية الصراع الطائفي في الشرق.
وفي المقلب الآخر لم يكن العداء الذي تكنّه الدول في الشرق أو المطامع التي تكنّها الدول في الشمال لهذه الأرض، مرتبطة بالصراع العربي الفارسي الرومي، بل كان صراعاً امتد إلى ما قبل الاسلام، بخلاف أديان المنطقة أو طوائفها. كتب التاريخ تحدثنا عن حروب كثيرة لا تنتهي بين سكان المنطقة في شرق المتوسط أو غرب آسيا، وبين الامبراطورية الفارسية، ومنها، على سبيل المثال، معركة الفرما بين الفرس والمصريين 343 قبل الميلاد، مروراً بمعارك سوريا وفلسطين، ومعارك العراق (ذي قار 609 م)، وحتى القادسية 634 م.
عادت سوريا أموية حضارياً، وليس دينياً، لتكوّن تفاعلاً حقيقياً بين الشرق والغرب، منهية سطوة الحالمين بالتوسع من الشرق في البلاد العربية. هي لحظة مفصلية في تاريخ الشرق، وربما العالم، فانتصار الثورة السورية أعاد للمواطنة معناها، وأعاد للشعب اتصاله بثقافته الممتدة من الجزيرة السورية وحتى البحر، ومن جرابلس حى نصيب في أقصى الجنوب
تمثّلت رغبات شعوب المنطقة بتأسيس كيان مستقل يشمل دول الشرق العربي مع الجزيرة العربية، بعيداً عن هيمنة الفرس أو الروم، واستمرت هذه الرغبة تشتعل في قلوب أبناء المنطقة حتى سقوط الدولة العثمانية واتفاقية الشريف حسين مع البريطانيين لتشكيل الدول العربية الممتدة من حلب حتى اليمن.
عادت سوريا أموية حضارياً، وليس دينياً، لتكوّن تفاعلاً حقيقياً بين الشرق والغرب، منهية سطوة الحالمين بالتوسع من الشرق في البلاد العربية. هي لحظة مفصلية في تاريخ الشرق، وربما العالم، فانتصار الثورة السورية أعاد للمواطنة معناها، وأعاد للشعب اتصاله بثقافته الممتدة من الجزيرة السورية وحتى البحر، ومن جرابلس حى نصيب في أقصى الجنوب، بعد أن كانت مستعمرة تكنّ الشر لدول الجوار العربي، رافعة شعارات تحريرية في استغلال سافر للمشاعر العربية.
بعد نجاح التجربة الأموية حضارياً مشكّلة الامبراطورية الأكبر في عهد العرب، وناقلة العرب والسوريين إلى مفهوم الدولة لأول مرة بعيداً عن مفهوم الحكم البسيط الراشد، دولة متعاضدة مترامية الأطراف تحكم ملايين البشر متعددي الأديان والمذاهب والطوائف، من أقصى الشرق حتى الأندلس، أقول بعد كل هذا وذاك، استطاب للسوريين تسمية أنفسهم بالأمويين، تذكيراً منهم بتلك الفترة الناصعة التي كانت سوريا خلالها مركز العالم، وحواضرها أهم حواضر الدنيا. بعض الحاقدين الطائفيين كان لهم رأي آخر منطلقين من زاوية أخرى في تفسير الموقف الحضاري، ومتّخذين من ذلك منطلقا لتدمير البلاد على رؤوس أهلها في سوريا ولبنان وحتى العراق وفلسطين.
عادت سوريا إلى وجهها الحضاري الذي تريده، فإن رغبت أن تعيش في الماضي الذي اتكأت عليه وعلى أمجاده كي تحشد انتصار شعبها، فلن تنجز شيئاً في الطريق إلى المستقبل، ولن تحجز لنفسها مكاناً فيه.
شارك هذا المقال
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي