سوريا

النظام السوري العائد

شاهد هذا الموضوع -النظام السوري العائد- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع

نحن نشهد سباقاً مع الزمن في دمشق، في حين تراجع الدول ذات النفوذ تموضعها في الجغرافيا السورية والقصر الرئاسي، تتشكل في الأفق ملامح شرق أوسط جديد خارج عن النص. يستقبل الشارع العربي أصداء دمشق بالبهجة المشوبة بالتردد، فالتغييرات النوعية بطبيعتها محفوفة بالشك وتستلزم وقتاً إضافياً قبل الإحاطة بأبعادها.

وزاد في الالتباس ما سجلته الأيام الأخيرة لنظام الأسد من تسارع في مجرى الأحداث الميدانية، انتقل بعملية الردع إلى عملية تحرير شامل وانتقال كامل للسلطة، لكن هذا في حقيقة الأمر لم يكن سوى القمة الظاهرة من جبل الجليد، بعد أن تصدع في غير مكان، بدءًا من أوكرانيا وصولاً إلى جنوبي لبنان.

الحسم العسكري المفاجئ، قلب الطاولة على الجميع بصورة أو بأخرى، فجأة لم تعد الخارطة السورية مقسمة بخمسة ألوان، والاستثمار الطويل للفاعلين الدوليين في سوريا لا سيما طهران وموسكو صار في مهب الريح، وعادت الجغرافيا السورية مليئة بالحيوية لتشهد أحد أكبر التحولات في الشرق الأوسط بعد أن سيطر عليها الجمود لعقود.

كاد الشرق الأوسط أن يرتد مجدداً نحو القطبية الأحادية في عالم جديد متعدد الأقطاب، يدوي سقوط النظام في دمشق على يد معارضة محلية القيادة، من دون غطاء جوي أو تحالف دولي مساند.

الخيار الثالث

انتصرت الثورة، لكن لم تنتهِ المواجهة، بل إن دخول دمشق السريع من دون دماء قد وضع المنطقة بأسرها على صفيح ساخن، فنظام الأسد خسر رأسه لكنه لا يزال يحتفظ بكامل بنيته الأمنية المتوحشة، وقدرته التنظيمية المتراكمة، وصلاته مع أصدقاء الأمس واليوم، وهو مشارك في الحدث على طريقته ولا تخفى بصماته في صناعة الشائعات والتهويل والنيل من مصداقية السلطة الجديدة قبل تمكنها.

إقليمياً لا يقل المشهد سخونة، فالمنطقة بالأساس ملتهبة تشهد انزياحاً في النفوذ على حساب مشروع طهران، وفي حين كاد الشرق الأوسط أن يرتد مجدداً نحو القطبية الأحادية في عالم جديد متعدد الأقطاب، يدوي سقوط النظام في دمشق على يد معارضة محلية القيادة، من دون غطاء جوي أو تحالف دولي مساند، مؤذناً بولادة مسار ثالث، عسير المخاض عظيم النوال، ينطوي على رصيد عالٍ من السيادة على القرار، يلهم الشارع العربي ويزيد في توتر أصحاب السلطة، كأهم حدث تاريخي تشهده دمشق منذ استعادتها استقلالية قرارها السياسي بعد انفراط عقد الجمهورية العربية المتحدة في ستينيات القرن الماضي.

أمام هذا التحول الكبير يقف المراقبون بذهول في محاولة لقراءة المشهد، مع عجز واضح على الإحاطة بأبعاده كاملةً، ولا يزال كثيرون يبحثون عن فهم ما جرى ضمن المقاربة الثنائية القديمة، بين معسكري المقاومة والاعتدال، أو بين مصالح طهران وتل أبيب، متجاوزين السياق التاريخي لتطور عجلة الصراع السوري، قاصرين عن رؤية المقاربة الجديدة وليدة الاشتباك الدولي في المشهد الأوسع.

هدوء دمشق الحذر

لن يطول هذا كثيراً، فالمتأهبون للوثوب على السلطة الجديدة كثر للغاية، فالثورة في خطر، ومن المبكر جداً الإشارة لنظام الأسد بوصفه النظام السوري البائد.

محلياً، لا يمكن الركون لأجواء الفرح بالنصر، هناك حالة من التوجس من أصحاب السلطة السابقة وداعميها، تلاحقهم دعوات القصاص وتدفعهم للهروب إلى الأمام بانتظار الرياح المواتية.

وهناك حالة مشابهة تسيطر على الكوتا السورية، فالاحتقان ليس وليد الصراع الأخير بل يمتد إلى ستة عقود منذ وصول البعث للسلطة والعبث بالتركيبة الاجتماعية وهندسة الدوائر الانتخابية على أساس طائفي بصورة تخدم احتكار السلطة أو عزلها، وأخيراً التطهير السياسي الممارس في الحرب الأخيرة لإنتاج “المجتمع المتجانس” بحسب وصف الأسد. التحول السريع في دمشق لم يمنح المكونات المحلية الخيار، فوقع الاختيار على الانكفاء والترقب، إلى حين.

أمّا على الصعيد العربي، فهناك انفصام كامل بين الحالة الشعبية وبين أصحاب السلطة، فالشارع العربي الذي استقبل أخبار الثورة بالترحيب والبهجة، يقابله في الطرف الآخر شعور عارم بالقلق يذكرنا بوضع سابق في العراق يوم سقوط صدام وتحوله لعظة بعد أن كان سيد القصر.

وأما إقليمياً، فالخاسرون بانتصار الثورة أكثر من الرابحين، ومن فضول القول أنه لن يجري التفريط باستثمارات كبيرة من دون محاولة لاستنقاذ الماضي، والتجربة الهشة للثوار في إدارة المدن ستغري بكثير.

بدخولها دمشق دخلت الثورة مزدحماً جديداً، وعليها أن تواجه أعداء التحرر وأصحاب المشاريع الخارجية والحركات الطامعة بالسلطة إضافة لأصحاب سلطة الأمس، وكل هؤلاء على اختلاف أجنداتهم ولغاتهم تجمعهم الثورة المضادة.

في المقابل، يتوافر للثورة السورية ما لم يتوفر لغيرها، فتجارب الربيع العربي المنقطعة لا تزال مشهودة وتمنح الواقع جملة مقارنات حية تكشف أساليب الثورة المضادة.

الاقتصاد السوري المنهار والمعتمد على تجارة الكبتاغون والمساعدات، من شأنه أن يشكل تحدياً للسلطة القادمة، لكن في نفس الوقت قد يمنحها مجالاً لصناعة فارق واضح. ولا زال الداخل السوري يستند مالياً إلى مكون سوري كبير مقيم في الخارج استطاع عبر سنوات بناء قنوات تمويل أهلية ولعب دور المعادل الحر لتهاوي الاقتصاد الوطني، يضاف اليوم لهذا الحامل المالي المهم موارد محلية كبيرة لطالما كانت منهوبة للسلطة، وخزان بشري حيوي متنوع الخبرات، وبنية صناعية مهمة يمكن البناء عليها، والأهم شعور عال بالانتماء والاستعداد للبناء.

سلاح المرحلة هو اجتماع الكلمة، وهذه دعوة لتشكيل اتحادٍ يضم مبادرات الثورة، يتسع لكل مؤمن قديم بالتغيير الكبير، ليكون بمنزلة المراقب، والضامن على اجتماع الكلمة على طول المرحلة.

أولوية التحرك

كل ما سبق من حديث عن المخاطر والاحتمالات يشكل جزءاً من مشهد يومي في الشارع العربي عند تناوله الخبر السوري، وهو بلا شك أحد تجليات الوعي بالمرحلة، وهو كذلك مؤشر على وحدة المصير رغم اختلاف الأمصار والأقطار، ويلبي حاجة شعورية في شارع يتوق لامتلاك منجز ما في طريق التحرر والنهوض.

لكن بعيداً عن الاستطراد، نريد هنا الإشارة لأهم واجبات المرحلة، والتي من دونها لن يستقيم بناء ولن يتراكم مكتسب، فالطريق مليء بالعثرات كما بالمترصدين، وآخرون لا ينتظرون الرياح المواتية بل يصنعونها، وفي دائرة الاستهداف حملة لواء ردع العدوان وفي مقدمتهم الهئية وعلى رأسها قائدها أحمد الشرع، في حين أن المسؤولية الكبيرة في حماية المنجز الثوري تقع على أصحاب الثورة الأوائل، بشكلها المدني والعسكري، بكل مبادراتها القائمة والفائتة، وكل من كان له سهم في صناعة التغيير آنذاك متجاوزاً خوفه في رهان يعوزه الأمل.

سلاح المرحلة هو اجتماع الكلمة، وهذه دعوة لتشكيل اتحادٍ يضم مبادرات الثورة، يتسع لكل مؤمن قديم بالتغيير الكبير، ليكون بمنزلة المراقب، والضامن على اجتماع الكلمة على طول المرحلة، وهذه مسؤولية كبرى وفيها متسع للجميع.

يخطئ الثوار في الركون لانتقال السلطة قبل أوانها، وفي هذا الركون يكمن الخطر الكبير، حيث تلتهم السلطة الجديدة منجز الثورة ومفصل التغيير، ليكون الانقلاب على السلطة الجديدة هو الحلقة الأسهل. عندها لن تبقى سلطة حرة ولا ثورة منتصرة، بل أعمدة مشانق تنتظر الجميع، تعيد النظام الساقط بعد غياب.

يذكر بأننا قد نشرنا لكم أعلاه تفاصيل ,النظام السوري العائد, نرجوا بأن نكون قد وفقنا بتقديم التفاصيل والمعلومات الكاملة.
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.

رابط الخبر الأصلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى