إسرائيل والعزف على وتر الأقليّات
شاهد هذا الموضوع -إسرائيل والعزف على وتر الأقليّات- عبر شبكة الإعلام العربية محيط والآن الى تفاصيل الموضوع
لم تكن التصريحات التي أطلقها الإسرائيلي “جدعون ساعر” في أول حديث له بعد توليه مهام وزير الخارجية حول الأقليات في المنطقة مفاجئة. فمن يقرأ في عمق السياسة الإسرائيلية منذ نشوء دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية وحتى اليوم، يعلم أن فكرة التوسّع الجغرافي أو توسيع النفوذ والسيطرة لهذه الدولة المصطنعة هي ركنٌ أساسي فيها. وإسرائيل، في سيرة وجودها كلها، لم تعتمد يوماً على الحق، إنما اعتمدت على عوامل متعددة، تأتي في مقدمتها القوّة العسكرية، والقوّة الاقتصادية، والتواطؤ الدولي، ودعم الأنظمة المحيطة التابعة.
والأهم أنها تعتمد السردية الدينية والتاريخية المزوّرة لتبرير وجودها، لكنّ المفاجئ في هذه التصريحات هو انتقالها من السرية أو من التداول في الكواليس المغلقة إلى إعلانها بشكل صريح وواضح.
من جهة أخرى، وفي تصريح لا يقل صفاقة واستهتاراً بالشرعية الدولية وبحق الشعب الفلسطيني، أعلن الوزير الإسرائيلي المسؤول عن المستوطنات في الضفة الغربية في وزارة الدفاع الإسرائيلية “بتسلئيل سموتريتش” عن ترتيبات تجريها وزارته لإعادة احتلال الضفة الغربية.
وقد ردّت الخارجية الفلسطينية عليه ببيان قالت فيه إنها “تنظر بخطورة بالغة لهذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي، خاصة وأنّ الاحتلال يمارس أبشع أشكال الجرائم ضد شعبنا، في تجسيد عملي لمحاولة نفي الوجود الفلسطيني وحقوقه الوطنية العادلة والمشروعة على طريق تهجيره من أرض وطنه”.
من الواضح أن الجرأة الإسرائيلية في الحديث عن التوجّه للأقليات، وفي الحديث عن إعادة احتلال الضفة الغربية، إنما تستند إلى فوز “دونالد ترامب” في الانتخابات الأميركية، وما يعنيه هذا بالنسبة لإسرائيل التي ترى في فوزه فرصة تاريخية قد لا تتكرر لإعادة رسم خريطة المنطقة على نحو جديد.
فهناك دعم أميركي لا محدود، وهناك استسلام تام من معظم دول المنطقة، وقد أشار “سموتريتش” بوضوح إلى أهمية انتخاب “ترامب” بالنسبة لإسرائيل بقوله: “خلال ولايته الأولى، قاد الرئيس ترامب خطوات دراماتيكية، شملت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، والتأكيد على شرعية وقانونية المستوطنات في (يهودا والسامرة)، وإلى جانب هذا، كانت هناك اتفاقيات “أبراهام / السلام مقابل السلام”. وللعلم، فإن هذه الاتفاقيات التي نسقتها إدارة ترامب السابقة أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية.
يبرر “ساعر” اهتمام إسرائيل بالأقليات بأن التطورات في المنطقة تفرض على إسرائيل، التي ستكون أقلية دائماً، أن تتحالف بشكل طبيعي مع الأقليات الأخرى.
بالعودة إلى تصريحات “جدعون ساعر”، وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، والتي كانت مباشرة وواضحة في سعي إسرائيل لانتهاج نهج جديد في العلاقة مع الأقليات، منتقلة بذلك من سياسة تواطؤ الأنظمة الحاكمة كمرحلة أولى في ترسيخ وجود الدولة الإسرائيلية، إلى توسيع النفوذ عبر تفتيت الدول المجاورة على أسس دينية أو قومية أو طائفية.
يقول “ساعر”: “نحتاج أيضاً إلى دراسة المنطقة المحيطة بنا بعناية وبناء تحالفات قوية، وأريد التركيز على الأقليات الأخرى في الفضاء الذي نعيش فيه”.
ويضيف: “الشعب الكردي أمة عظيمة، وهو من الأمم العظيمة التي لا تتمتع باستقلال سياسي، فهو حليفنا الطبيعي. إنها أقلية قومية في أربعة بلدان مختلفة، تتمتع في اثنين منها بالحكم الذاتي: بحكم القانون في الدستور العراقي، وبحكم الأمر الواقع في سوريا. وهو – يقصد الشعب الكردي – ضحية القمع والعدوان من تركيا وإيران، وعلينا أن نتواصل معه ونعزز علاقاتنا معه، وهذا له جوانب سياسية وأمنية.”
ثم يتحدث “ساعر” عن الأقلية “الدرزية” فيقول: “إنني أتابع الأقلية الدرزية في الدول المجاورة، في سوريا ولبنان، ولدينا تحالف شجاع مع المواطنين “الدروز” في إسرائيل”.
ويبرر “ساعر” اهتمام إسرائيل بالأقليات بأن التطورات في المنطقة تفرض على إسرائيل، التي ستكون أقلية دائماً، أن تتحالف بشكل طبيعي مع الأقليات الأخرى.
باختصار شديد، يريد وزير الخارجية الإسرائيلي القول إن بلاده تسعى لتحالف إسرائيلي مع الأقليات في المنطقة. لكن السؤال الذي يبرز هنا هو: من هي الأكثرية التي يريد أن يواجهها في تحالفه هذا؟
فهو يخطط للتحالف مع “الموارنة” في لبنان، ومع “الدروز” في لبنان وسوريا، ومع “الأكراد” في الدول الأربعة، ومع.. ومع.. أي أنه يريد تحالفات ليس لها هوية دينية أو قومية واحدة، فمنها العربي، والكردي، والمسيحي، والإسلامي، والسني، والشيعي، و… و… وبالتالي، فإن جوهر هذه التحالفات هو البحث عن الجهة التي يراها من وجهة نظر إسرائيلية وسيلة مناسبة لإضعاف البنية الاجتماعية في دول المنطقة، كمقدمة لإعادة ترتيب نظام الحكم في هذه الدول، أو تقسيمها.
لا يحتاج تبيّن هدف إسرائيل من مشروعها هذا إلى عناء كبير، فهي بالتأكيد لا ترى في أي هوية أخرى غير الهوية “اليهودية” شريكاً أو صديقاً أو نداً، فهم “شعب الله المختار” والآخرون على إطلاقهم أقلّ مرتبة.
لم تكن فكرة الأقليات لتكون موجودة في مجتمعاتنا لو أن الأنظمة التي حكمت هذه المجتمعات كانت تملك الحد الأدنى من المسؤولية الوطنية أو المواطنة الحقيقية، فما تسعى إليه إسرائيل إنما أسست له أنظمة لا وطنية، وخططت له بدراية وبمنهجية لطمس الهوية الوطنية الجامعة وإعلاء الهويات الفرعية.
واليوم، تقوم أصوات لا مسؤولة أو متواطئة أو مرتزقة بمساعدة إسرائيل في مشروعها عبر تعزيز فرز هذه المجتمعات على أسس طائفية أو قومية.
لا يحتاج تبيّن هدف إسرائيل من مشروعها هذا إلى عناء كبير، فهي بالتأكيد لا ترى في أي هوية أخرى غير الهوية “اليهودية” شريكاً أو صديقاً أو نداً، فهم “شعب الله المختار” والآخرون على إطلاقهم أقلّ مرتبة، وبالتالي فهي لا ترى في كل الأقليات والأكثريات في منطقتنا إلا وسائل لتوسيع جغرافيتها أو توسيع مناطق نفوذها.
لم تعد الأصوات التي تعزز من الفرز الطائفي أو القومي أو غير ذلك بحجة المقدّس، أو بحجة المظلوميات التاريخية أو الراهنة، بريئة اليوم. فما يرتب لنا كشعوب وكدول في هذه المنطقة ليس إنصافاً لحقوقنا الضائعة، بل هو سعي لإعادة نهب بلادنا والسيطرة عليها وطمس هوياتنا الكبرى والصغرى وجعلنا أدوات في مشروع السيطرة هذا. ومسؤوليتنا تتطلب أولاً أن نعي جيداً ما يخطط لنا، وتتطلب ثانياً أن نُعلي هويتنا الكبرى فوق هوياتنا الفرعية. وحقوقنا الضائعة إنما نستردها بامتلاك قرارنا، وبحريتنا، وبدولنا العادلة، وليس بقوة محتلّ.
وقد وصلنا إلى نهاية المقال ، و تَجْدَرُ الإشارة بأن الموضوع الأصلي قد تم نشره ومتواجد على موقع تلفزيون سوريا وقد قام فريق التحرير في شبكة الإعلام العربية محيط بالتأكد منه وربما تم التعديل عليه وربما قد يكون تم نقله بالكامل أوالإقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدات هذا الخبر أو الموضوع من مصدره الأساسي ولا تتحمل الشبكية أية مسؤولية قانونية عن الصور أو الخبر المنشور شاكرين لكم متابعتكم.
رابط الخبر الأصلي