سوريا

تعرف إلى المليونير الذي زاد ثراءً بفضل إيوائه لاجئين في بريطانيا


تقع المسطحات الطينية التي يخلفها المد في جزيرة كانفي عند حافة مصب نهر التايمز، على بعد 48 كيلومتراً من شرقي لندن. وبين تلك الأراضي المستصلحة والجداول، انتقل ليعيش هناك جاك كينغ وهو بائع أكواخ من رومفورد، برفقة أسرته عندما كان شاباً في مطلع ستينيات القرن الماضي، فاشترى هذا التاجر الذي يعشق كرة القدم حد التعصب، حديقة لقضاء العطلات تشتمل على منزل متنقل معطل من مجلس البلدية هناك، فحوله إلى مشروع تجاري وبيت متنقل ناجح صار اسمه منتزه آل كينغ، والذي حقق مبيعات بلغت قيمتها 32 مليون جنيه إسترليني في عام 2007، أضافها لثروة أسرته.

كان من المخطط لابنه غراهام أن يسير على خطا أبيه، فقد أمضى سنوات في العمل مع جاك، الذي صار يمتلك شركة لسيارات الأجرة ووكالة لبيع السيارات، بالإضافة إلى نواد ليلية تقيم حفلات كان بينها حفلة لشيرلي باسي وتومي كوبر، وذلك قبل أن يطلق غراهام مشروعه الخاص، إذ في عام 1999 افتتح شركة عقارية اسمها  Clearsprings.

ومنذ تلك الفترة، فازت شركة Clearsprings بعقود مربحة مع الحكومة البريطانية لتأمين مساكن لفترة قصيرة، أغلبها مخصص لطالبي اللجوء. أي إنّ موجات الهجرة التي أتت بأعداد هائلة من اللاجئين ومعظمهم من أفغانستان وسوريا والعراق، ضاعفت أرباح تلك الشركة لتصل إلى 62.5 مليون جنيه إسترليني في السنة المالية المنتهية في شهر كانون الثاني 2023. وبفضل هذا النجاح الذي حققه مشروعه التجاري والذي يمتلك 97% من أسهمه، وصل غراهام البالغ من العمر 57 عاماً إلى قائمة الأثرياء لدى صحيفة صنداي تايمز بثروة تقدر بنحو 750 مليون جنيه إسترليني.

لا معلومات كثيرة متوفرة عن غراهام الذي يدير شركة Clearsprings من مبنى لمكتب رائع عائم فوق الماء يقع بجوار طريق ذهاب وإياب مخصص للعربات بالقرب من بلدة ساوثإند أون سي. وما يزال عدد ضئيل من أفراد عائلة كينغ يقيم في جزيرة كانفي، فقد توفيت والدته في سبعينيات القرن الماضي، في حين توفي جاك في عام 2016، ومن بين أشقائه الأربعة توفي شقيقه دينيس في الثمانينيات، بينما يعيش شقيقه جيف في موناكو، وتقيم أخته سوزان في مالوركا، أي إن شقيقته ليندا التي تعمل في مجال تصفيف الشعر هي الوحيدة التي ما تزال تقيم في جزيرة كانفي.

الشهرة في مجتمع منعزل

لعل معظم أفراد عائلة كينغ قد رحلوا عن الجزيرة، تلك العائلة التي كان شعارها: “من البحر على بركة الله”، إلا أنه لا يمكن لأهالي الجزيرة أن ينسوا تلك الأسرة، بما أنها دعمت بمالها فريق كرة القدم في الجزيرة والذي يعرف باسم “التعويذة الذهبية” لفترة من الزمن ما بين عامي 1992 و2006، وذلك عندما كان جيف مديراً لهذا الفريق المحلي الذي لم يشارك في الدوري، لكنه وصل إلى الدور الثالث من كأس الاتحاد الإنكليزي في عام 2002، ثم خرج من البطولة أمام فريق بيرنلي، وهذا ما دفع النادي لإقامة نصب لجاك كينغ تكريماً لما قدمه.

تحولت كانفي من منتجع ساحلي عصري خلال الحقبة الفيكتورية، إلى منطقة صناعية مزدحمة تتبع لمقاطعة إسيكس، وعنها يحدثنا أحد أعضاء نادي حزب المحافظين المحلي: “إنه لمجتمع جميل لكنه معزول جداً، فهنالك عدد قليل من العائلات من أصحاب الأسماء المرموقة، وعنهم تسمع شائعات كثيرة بقدر الأمور الحقيقية التي تصلك عنهم، وعائلة كينغ واحدة من تلك العائلات، فقد سمعت عنها قصصاً خيالية كثيرة منها ما هو صالح ومنها ما هو طالح”.

تعامل الوكيل العقاري جون برينغ من تلك العائلة، وعنها يقول: “كانت عائلة كينغ وما تزال عائلة مهمة في كانفي، فجميع أفرادها أصحاب مشاريع جديدة، أي إنهم يعرفون تماماً أين ينفقون نقودهم وعلى ماذا بالضبط”.

في أواخر التسعينيات، دعا جاك برينغ ليسافر مع الأسرة بطائرتها الخاصة وذلك ليتناولوا الغداء في بروكسل، وكان غراهام هو الذي يقود الطائرة، وكان في مطلع ثلاثينياته في ذلك الحين.

يتذكر برينغ ما جرى فيقول: “هبطنا في المطار، ثم استقلينا سيارة أجرة نقلتنا إلى المطعم، فشربنا الشامبانيا، باستثناء الطيار، ثم طار بنا غراهام عائداً إلى الجزيرة، وطلب مني أن أجلس بجواره في المقدمة، ويا ويلي كم كان الأمر مرعباً”.

خطة المشروع.. مسروقة

بعيد ذلك، طلبت أسرة كينغ من برينغ أن يساعدها في كتابة خطة لمشروع تجاري، فقد كان غراهام قد سمع عن مالك لأحد الفنادق يؤجر غرفاً للحكومة بغرض إيواء طالبي اللجوء.

وعن ذلك يخبرنا برينغ فيقول: “أتاني جاك وقال: دعت الحكومة الناس إلى مناقصة للحصول على هذا النوع من العمل، ويرى غراهام في ذلك فرصة، إذ كانت الفكرة تقوم على شراء عقار ثم تأجيره للحكومة وإدارته لصالحها. ولهذا كتبت صفحة ونصف من صفحات  A4  حول السبب الذي يجعل من شركة Clearsprings شركة مناسبة للقيام بذلك، ولعل تلك الفكرة هي التي وضعت غراهام على الطريق الصحيح وجعلت منه مليونيراً” وعلى الرغم من عدم موافقة الشركة على ما قاله برينغ، لكن ورقته برأيه كانت أساسية، لكنه لم يحظ بأي تقدير من تلك العائلة.

الشبهات والاتهامات

بيد أن النجاح الذي حققه غراهام على صعيد المال حمل معه جدلاً كبيراً حول ثروته، إذ في عام 2019، فازت شركة Clearsprings  بعقود بلغت قيمتها 996 مليون جنيه إسترليني وذلك حتى تؤمن مساكن مؤقتة لطالبي اللجوء في ويلز وجنوبي إنكلترا حتى عام 2029. وقد وصف المفتشون في عام 2021 موقعين من تلك المواقع المخصصة لهذا الغرض بأنهما قذران وبأن ظروفهما تتسم بالفقر والتعاسة والتداعي. في حين ذكر ثلث من سكنوا فيها بأنهم عانوا من مشكلات تتصل بالصحة العقلية، وتبين للمفتشين بأن تواصل وزارة الداخلية البريطانية ضعيف مع هؤلاء الأهالي، إلى جانب عدم توفر قيادة وتخطيط للمشروع بصورة أساسية حسبما ذكر المفتشون.

خلال العام المنصرم، نام أكثر من 70 شخصاً بينهم أطفال في الشارع احتجاجاً على فندقين تديرهما شركة Clearsprings بلندن، إذ زعم هؤلاء بأنهم يحتشدون في غرف صغيرة لا يوجد فيها ما يكفي من الأسرّة، في حين كشف تقرير صادر عن منظمة Open Democracy خلال العام الماضي بأن ثلثي من اشتكوا من السكن في الفندق والذين بلغ عددهم 1400 شخص، سكنوا في فنادق أقيمت لصالح منظمة Migrant Help الخيرية، وهذه المساكن تديرها شركة  Clearsprings، ومنذ ذلك الحين، وجهت لتلك المنظمة اتهامات بارتكاب 39 خرقاً لقانون الإسكان الصادر عام 2004 في مرافعة أقامها مجلس سويندون بورو، والتي التمست فيها تلك الجمعية البراءة.

ابتداء من شهر تشرين الأول، خفضت الحكومة عدد الأشخاص الذين يقيمون في “فنادق اللجوء” بنسبة 36%، لكنها ما تزال تنفق 8.2 ملايين جنيه إسترليني باليوم الواحد على المساكن التي تديرها شركة Clearsprings وغيرها من الشركات، إذ إن معظم عائدات شركة Clearsprings والتي وصلت إلى 1.3 مليار جنيه إسترليني في عام 2022، ما يعادل أكثر من 3.5 ملايين جنيه إسترليني في اليوم الواحد، ترتبت على عقدين يمتدان لعشر سنوات أبرمتهما الشركة مع وزارة الداخلية البريطانية بهدف إيواء الواصلين من المهاجرين.

بعد تأسيس شركة Clearsprings، رفع مايكل بيلكوس، وهو الشريك الأساسي لغراهام في هذا المشروع، دعوى ضده أمام المحكمة العليا بخصوص اتفاق كلامي يتصل بملكية الشركة وإدارتها مستقبلاً، وسويت المعركة القانونية في عام 2003 بعد موافقة بيلكوس على بيع أسهمه (البالغة نسبتها 50%) لكينغ عقب تقييمها من خارج الشركة.

بالنسبة لبرينغ الذي ذكر بأنه كتب أول خطة لهذا المشروع التجاري، فقد عبر عن ندم كبير لما انتهت إليه شراكته مع آل كينغ، إذ يخبرنا بأنه افتتح مشروعاً تجارياً منفصلاً مع غراهام وجيف عندما دفع كل منهما مبلغاً قدره مليون جنيه إسترليني لإقامة مشروع ثورني باي وهو منتزه آخر للبيوت المتنقلة في عام 2000، ويقول برينغ إنه لم يوقع على اتفاقية مساهمة معهما قبل أن يتوصلوا إلى اتفاق، ما يعني أنه: “وضع كل ما لديه في شركة لم يحصل منها على أي راتب”، إذ طلب من الشقيقين كينغ أن يدفعا له راتباً مقابل إدارته للمشروع، فرفضا، وبما أنه كان تحت وطأة الدين، وبحاجة إلى المال، لذا سمح لهما بشراء حصته وإخراجه من الشركة.

يعترف هذا الرجل بسذاجته فيقول: “إنه لموضوع مؤلم، لأني لم أحم نفسي، ولهذا ألوم نفسي قبل غيري، وهذا هو السبب الذي أبقاني أعمل وأنا في سن الثامنة والسبعين”، ويخبرنا أنه يتمنى لو حافظ على حصته التي تعادل 50%، بما أن آل كينغ باعوا تلك الحصة بملايين الجنيهات الإسترلينية منذ فترة قريبة.

في تلك الأثناء، يبدو بأن غراهام قد ترك جزيرة كانفي إلى غير رجعة، إذ في عام 2000، انتقل هو وزوجته كارين النمساوية المولد إلى فيلا ألحقت بها مزرعة مساحتها 60 فداناً تقع في بقعة ريفية قصية من مقاطعة إسيكس، برفقة طفليهما الصغيرين اللذين يدرسان بمدرسة داخلية تبلغ أقساط التعليم فيها 46 ألف جنيه إسترليني في السنة. وهناك تستمتع الأسرة بالتزلج بشكل دوري في أيام العطل، فقد نشرت كارين عبر حسابها على منصة إكس بأن غراهام “يتزلج مثل الصاروخ”، بيد أن الوقت الطيب لم يدم طويلاً، نظراً لانفصال غراهام عن كارين منذ أمد بعيد.

Graham King owns Clearsprings, which provides short-term accommodation for asylum seekers

غراهام كينغ

يخبرنا أهل القرية بأنهم لم يروا غراهام منذ بضع سنوات ويعتقدون بأنه يقيم حالياً في لندن أو خارج البلد، إذ يقول جاره جيمس تشاملي الذي يرعى الأغنام في العشرين فداناً من الأرض التي تملكها كارين اليوم: “كانت الأسرة ثرية في جزيرة كانفي، وسمعنا بأن غراهام ذائع الصيت هناك، لكنه لم يحمل ثروته معه إلى هنا، وقد اعتاد أن يصطحبني لتناول الكاري، فقد كان طيب المعدن كالذهب، وكان لديه كلب أسود اعتاد أن يرافقه في نزهاته، ثم إنني أتذكر أنه يشجع نادي تشيلسي، لكننا هنا نتعامل مع الناس ببساطة، إذ لا يهمني إن كان يملك 50 مليون جنيه إسترليني أم لا”.

بالعودة إلى جزيرة كانفي، فإن روبرت كراسك وهو تاجر سيارات متقاعد عمره 77 عاماً، شغل سابقاً منصب أمين سر شركة Clearsprings قد أبدى تشاؤمه أكثر من سابقه، إذ ذكر بأنه شغل ذلك المنصب من باب المعروف الذي أسداه لجاك لأنه استأجر منه مرآباً وقتئذ، وعن ذلك يقول: “أعرف تلك العائلة منذ أمد بعيد، فقد بدأ جاك من الصفر، وهو رجل صحبته طيبة كما يتمتع بجاذبية كبيرة، لكن من الممكن له أن يتصرف بحقارة، فقد شعرت بأني مجبر بعض الشيء عندما طلب مني أن أصبح أمين سر لديه، إذ قال لي: “كل ما هنالك أني أريدك أن تساعد غراهام”، لكني لم أحصل أي قرش منهم، وهذا ما أثار نقمتي عليهم، وثمة ظلم تسببوا به عند إيواء المهاجرين، وقد كنت أدير مشروعاً تجارياً وقتئذ، ولهذا فكرت بأن علي أن أخرج من كل هذا، على الرغم من أن غراهام كان فتى طيباً.. ولكن ثمة استياء كبير منهم، وغيرة أيضاً، لكني أتمنى له حظاً طيباً، على الرغم من أنه أقام كل مشروعه التجاري على تأجير عقارات لطالبي اللجوء، وأنا وأنت من يدفع بدل الإيجار، إلا أني أعتقد أننا جميعاً سنفعل ما فعلوه لو سنحت لنا الفرصة”

المصدر: The Times 



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى