سوريا

حزب ميركل يميل نحو اليمين.. كيف ينظر إلى اللاجئين في ألمانيا؟


ينبغي أن تكون هذه الفترة أسعد الفترات التي تمر على المحافظين الألمان، بعد ابتعاد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عن السلطة، وهو حزب من يمين الوسط، منذ أن انتهت فترة حكم أنجيلا ميركل بعد 16 عاماً لشغلها منصب المستشار، وذلك في عام 2021، ولكن خلال عامين فحسب من وصول الحكومة الائتلافية إلى السلطة التي يرأسها الديمقراطيون الاجتماعيون من يسار الوسط، تراجع تأييد الشارع لها بحسب ما كشفته استطلاعات الرأي، إذ بالكاد وصلت نسبة مؤيدي الحكومة المؤلفة من ثلاثة أحزاب إلى 35%، في حين بلغت نسبة المصوتين لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري 30%، أي أن نسبة مؤيديهما ارتفعت إلى 24% خلال انتخابات عام 2021.

أبلى هذا الحزب بلاء حسناً في آخر انتخابات محلية أيضاً، إذ في مطلع تشرين الأول الفائت، فاز الحزب في ولاية هيسه وسط ألمانيا، وذلك عندما حصد 35% من الأصوات مسجلاً ارتفاعاً قدره ثماني نقاط. وفي بافاريا، واصل الاتحاد الاجتماعي المسيحي استئثاره بأكبر ولاية ألمانية من حيث المساحة وذلك منذ عام 1957، وعن ذلك يعلق ينس شبان وهو عضو في البرلمان عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي سبق أن شغل منصب وزير الصحة، فيقول: “أصبحت غالبية الشعب الألماني تصوت اليوم للأحزاب التي ليست يسارية”.

تحديات أولها ميركل

بصرف النظر عن التيار السائد للمحافظين والذي يتسم بصلفه وعجرفته، أصبح المزاج العام اليوم مضطرباً، وذلك لأن تحديات عديدة باتت تثقل كاهل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أولها وديعة ميركل، وذلك لأن استئثارها بمنصب المستشار لفترة طويلة لابد أن يقزم من يخلفها من القادة في أي مقارنة، إلا أن بعض سياساتها التي أثارت جدلاً كبيراً أضرت بهم، ومنها استقبال عدد أكبر من اللاجئين وصل إلى مليون لاجئ والتخلص من الطاقة النووية تدريجياً، أما التحدي الثاني فهو أن الاتحاد الديمقراطي المسيحي مايزال بحاجة إلى شركاء يتحالف معهم على الرغم من أنه أقوى حزب في ألمانيا، وذلك لأن الناخب المحافظ يعرف تماماً بأن من سيفوز سيكون يسارياً في الغالب، وعن ذلك يقول شبان: “يقول هؤلاء إن صوّت لكم فلن يأتينا سوى بديل عن القديم نفسه”.

 

 

التحدي الثالث: حزب البديل من أجل ألمانيا

وبسبب هذين التحديين وغيرهما يتعرض الاتحاد الديمقراطي المسيحي لتحد ثالث اليوم، وهو تزايد خطر اليمين المتطرف الشعبوي، فقد استفاد حزب البديل من أجل ألمانيا المؤيد لروسيا والمعادي للهجرة وللنخبوية ولأوروبا منذ أن أسس من خيبة أمل الناس بالحكومة، أكثر مما فعل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، على الرغم من أن الجميع نبذوا حزب البديل واعتبروه هامشياً عندما أسس قبل عشر سنوات.

بيد أن استطلاعات الرأي أصبحت تشير اليوم إلى أن هذا الحزب صار يحتل المرتبة الثانية من حيث الشعبية في ألمانيا، بعدما حصد 22% من الأصوات، ولا بد أن يزيح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الانتخابات التي ستجري في العام المقبل في ثلاث ولايات شرقي ألمانيا. لذا، فإن الخيار العملي الذي يمكن اللجوء إليه في هذه الحالة هو إقامة تحالف محافظ بين الحزبين، إلا أن معظم الألمان، وخاصة في الولايات الشرقية الأشد ليبرالية، ينظرون إلى حزب البديل من أجل ألمانيا بعين الريبة، وكذلك يفعل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وبصورة رسمية، وهذا ما أعرب عنه بشكل قاطع هندريك فوست، تلك الشخصية التي سطع نجمها في سماء هذا الحزب فانتخب خلال العام الماضي رئيساً لولاية شمالي الراين-ويستفاليا، أي الولاية الأشد كثافة سكانية، عندما وصف حزب البديل من أجل ألمانيا بأنه ليس حزباً ديمقراطياً بل فاشياً وبحكم المحكمة، وقال: “إنهم يشككون بأسس ديمقراطيتنا وحرياتنا وارتباطنا بالغرب وبأوروبا، لذا فهم خصومنا وليسوا بحليف محتمل”. يدير فوست ولايته بالتحالف مع حزب الخضر، ولهذا يرى بأن على الاتحاد الديمقراطي المسيحي التمسك بقيمه الأساسية ونزعاته الوسطية.

أما فريدرش ميرتس، وهو الزعيم القومي الحالي للحزب، فقد نبذ هو أيضاً فكرة عقد أي اتفاق مع حزب البديل من أجل ألمانيا، غير أن الجناح الأشد محافظة في حزبه حاول في الوقت نفسه سرقة أضواء الشعبوية اليمينية عبر القرع على طبول القضايا نفسها التي عززت تأييد الناس له، وعلى رأسها قضية الهجرة، التي لطالما تعامل معها حزب البديل من أجل ألمانيا كمصدر قلق هائل، وذلك بسبب التدفق الكبير للاجئين الأوكرانيين الذين وصل عددهم إلى مليون خلال العام الماضي، إلى جانب القفزة الكبيرة في أعداد طالبي اللجوء القادمين من أماكن أخرى والتغطية الإعلامية الشعبوية التي باتت مهووسة بالجرائم التي تنسب للأجانب، وهذا ما زاد من خوف العامة إزاء الهجرة بشكل ملحوظ.

 

اللاجئون “سياح مستفيدون”

بيد أن ميرتس الذي يرتدي نظارات بشكل دائم والذي كان محامياً لشركات في السابق، لعب دوراً أسهم في إثارة تلك المخاوف، وذلك عندما وصف اللاجئين الأوكرانيين بأنهم سياح قدموا من أجل الحصول على مزايا ومنافع، وألمح إلى منطقة في برلين يقيم فيها الكثير من المهاجرين بأنها لم تعد ألمانية، ونبذ فكرة استقبال اللاجئين القادمين من غزة، معللاً ذلك بقوله: “لدينا بالأصل كثير من معادي السامية”، كما استل النائب شبان سيفه ضد المهاجرين هو أيضاً عندما أكد بأن القادمين من ثقافات عربية إسلامية سيجعلون من ألمانيا دولة أشد عنفاً، كما ألمح إلى ضرورة استعانة السلطات الألمانية بالقوة لمنع دخول المهاجرين غير النظاميين، وذلك عندما قال: “علينا أن نعترف بحقيقة بسيطة وهي أنه لم يعد لدينا أي مكان”، وفي ذلك ما يناقض بشكل واضح الشهامة التي أبدتها المستشارة الألمانية ميركل عندما قالت: “بوسعنا معالجة ذلك” عندما وصلت أزمة اللاجئين السوريين إلى ذروتها في عام 2015.

اليمين المتطرف الكاسح

يأتي هذا الخطاب في خضم مزاج عام متوتر، وهذا ما أكدته عمليات المسح التي أجريت مؤخراً والتي أظهرت بأن قضية الهجرة أصبحت تحتل اليوم مكان الصدارة بالنسبة للناخبين الألمان، غير أن تبني حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لنقاط نجدها في خطاب اليمين المتشدد أمر محفوف بالمخاطر، بحسب تحذيرات يوليا ريوشينباخ المتخصصة بالعلوم السياسية في جامعة برلين الحرة، وذلك لأنه في دول أوروبية أخرى، حاولت فيها أحزاب من يمين الوسط أن تلتف على بدايات الحركات الراديكالية انتهت الأمور في الحالات كلها تقريباً مع هذه الأحزاب إلى أن تلحق الأذى بنفسها.

وعن ذلك تعلق روشنباخ بالقول: “حاول المحافظون في إيطاليا استرضاء اليمين المتطرف فكانت النتيجة أنهم انتهوا جميعاً، ليحل محلهم ثلاثة أحزاب من اليمين المتطرف”.

في حين يقدم طارق أبو شادي من جامعة أوكسفورد مثالاً أبلغ، إذ في انتخابات ولاية بافاريا، أطلق ماركوس سودر وهو الزعيم الشعبوي الأطول مدة لدى الاتحاد الاجتماعي المسيحي، حملة كلها جعجعة هاجم من خلالها الائتلاف الحاكم في برلين، ولاسيما حزب الخضر، وذلك بسبب تسلطهم ومثاليتهم البعيدة عن الواقع، وهذا ما أكسب المحافظين أصواتاً جديدة، غير أن ذلك لم يحالف حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، بل صب في مصلحة حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب الناخبين الأحرار، وهو حزب شعبوي محلي، إذ حصد هذان الحزبان معاً 30% من الأصوات، في حين احتفظ الاتحاد الاجتماعي المسيحي بنسبته المعهودة عند حدود 37%. وعن ذلك يعلق أبو شادي بالقول: “إن التركيز على الحروب الثقافية يفسح المجال أمام هذه القضايا لتهيمن على خطاب العامة، بل إن هذا التركيز يشجع على ذلك، وهذا بدوره يسهم في تطبيع حزب البديل من أجل ألمانيا”.

تتحدث ريوشينباخ عن ذلك عبر التركيز على نقاط الاختلاف، وذلك لأن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قدم أداء متميزاً خلال انتخابات الولايات الأخيرة التي أكد فيها على الكفاءة وعلى القيم المحافظة المعتدلة، إذ يرى فوست بأن ولايته خير مثال على ذلك وهذا عندما قال: “بوسعنا أن نتغير ونتكيف” ولكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بناء “على قيمنا المسيحية وعلى مواقف الطبقة الوسطى”.

1

وبالنظر إلى طبيعة السياسة في ألمانيا، حيث يستحيل على أي حزب أن يحصد الأغلبية المطلقة، ونظراً لطبيعة الشارع الألماني الذي يفضل بالعموم التأكيد الهادئ على إثارة الغضب، ينبغي على الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن يحرص على عدم تنفير أي شريك محتمل له في أي تحالف بسبب قسوة خطابه، إذ حتى لو كان الرأي العام الألماني قد تحول نحو اليمين قليلاً، سيبقى عبر صفقة مع اليسار السبيل الوحيد المتاح للوصول إلى السلطة أمام حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بيد أن زعيم الحزب ميرتس قد زاد من صعوبة تحقيق هذا الأمر، نظراً لميله نحو اليمين.

 

المصدر: The Economist

شارك هذا المقال



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى