“ربيتم جيل القوات المسلحة”.. الأسد يعسكر المعلمين في عيدهم بعد أن دمر قطاعهم
التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد، يوم الأربعاء، مجموعة من المعلمين “ممن أمضوا قرابة 4 عقود داخل الصفوف”، بحسب مقطع دعائي للفعالية نشرته صفحة “رئاسة الجمهورية العربية السورية” في فيس بوك.
وأظهر المقطع استقبال الأسد وزوجته أسماء للمعلمين في القصر الرئاسي بدمشق، حيث حاضرا بهم وأثنيا على “تضحياتهم” وباركا “قتالهم” لتربية ما وصفه بشار بـ “جيل التضحية؛ جيل القوات المسلحة”.
وقال بشار مخاطباً المعلمين: “أنتم ربيتم جيل التضحية، جيل القوات المسلحة التي قاتلت؛ وكنتم الجيل الذي قاتل بالتوازي معها في قطاع التعليم. يمكن القول أنه كان لدينا جيش عربي سوري وجيش علمي أنتم جسدتموه”، وأضاف: “أنتم بالنسبة لنا جيل يجسّد فعلياً وجدان العلم وذاكرة الوطن”.
وربط الأسد في حديثه بين استقرار قطاع التعليم واستقرار البلد بقوله: “إذا كان قطاع العلم بخير فالبلد بكون بخير”، في مفارقة من أن المتحدث هو المسؤول الأول عن دمار القطاع التعليمي، والبلد من خلفه.
المقطع الدعائي، الذي وصفه كثيرون بـ “الاستفزازي”، وكلام الأسد وثنائه على المعلمين لتصدير صورة “المعلم المرتاح” وذو “الجهود المباركة” لم تكن لتمر من دون التذكير براتب المدرس الشهري الذي يتراوح ما بين 200 و400 ألف (بحسب القِدم).
ماذا قدّم الأسد للمعلمين؟
لا شيء يستحق الذكر، لم يُقدم النظام السوري ورئيسه للمعلمين السوريين أي دعم طوال السنين الـ 12 الماضية، بل على العكس، ضيّق عليهم ليصل بهم الحال لأن تصبح “الاستقالة” حلماً بعيد المنال.
الواقع الاقتصادي وغياب أي شكل من أشكال الدعم “الحكومي” للمعلمين دفع بغالبيتهم، من كلا الجنسين، إلى البحث عن مصادر دخل بديلة، وفي بعض الحالات ترك السلك التعليمي والعمل في مهن بعيدة كل البعد لتأمين لقمة العيش.
موقع تلفزيون سوريا كان قد التقى معلمين استقالوا وبدؤوا العمل في المطاعم والمقاهي وتوصيل الطلبات، إذ قال أحدهم (كاشير): ” الشهادة العلمية لم تعد ذات قيمة في سوريا، يعني درست 4 سنوات تاريخ، وتعينت في إحدى المدارس القريبة من هنا، وبقيت أعمل لأكثر من 7 سنوات، بالبداية كان الراتب جيداً إلى حد ما، لكن فيما بعد تحول الأمر إلى تضييع وقت”.
وأضاف أن راتب الـ 200 ألف ليرة لا يكفي كلفة غداء لعائلة من أربعة أشخاص، ما يعني أنني سأعيش بدون ثمن خبز إلى آخر الشهر.
ولفت إلى أنه بدأ العمل في المطعم منذ 3 سنوات بشكل جزئي بعد دوام المدرسة، وكان يحصل على 4 إلى 5 أضعاف راتبه بالتعليم.
حلم الاستقالة
التضييق على المعلمين لاحقهم حتى إلى منعهم من الاستغناء عن الوظيفة، إذ يُعد التقدم بطلب الاستقالة من الوظيفة الحكومية، وخصوصاً من الكادر التعليمي، أصعب من تقديم الطلب للحصول على وظيفة، وذلك بسبب نقص الكادر، وانخفاض قيمة الرواتب تزامناً مع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
وتعد الاستقالات من قطاع التعليم بين الأعلى في الدوائر والمؤسسات الحكومية بمناطق سيطرة النظام مقارنة بالقطاعات الأخرى.
وفي حزيران 2023، أصدر مدير التنمية الإدارية في وزارة التربية السورية سامر الخطيب تعميماً لمديريات التربية يقضي بعدم قبول طلبات الاستقالة، وعدم رفع طلبات استقالة الفئة الأولى إلى الإدارة المركزية.
ويحتاج من يتقدم بطلب استقالة إلى موافقة أمنية تخص الأنشطة والمعاملات للموظفين والعاملين في الدولة.
ويستثني التعميم حالات محددة مثل من تجاوز 30 سنة عمل، والحاصلين على إجازة سنوية بلا راتب لمدة سنتين متتاليتين، والعامل الذي لديه وضع صحي يمنعه من مزاولة عمله، وكذلك حالات لم الشمل والالتحاق بالشريك، إلا أن معظم المتقدمين بطلبات الاستقالة من الحالات السابقة يخضعون لمساءلة من الفروع الأمنية المختلفة في سوريا.
وفي كانون الأول الماضي، أعلن وزير التربية والتعليم في حكومة النظام السوري عامر مارديني، فتح باب الاستقالة للمعلمين والمدرسين بشرط قضائهم في الخدمة 30 عاماً فما فوق وتأمين البديل، مشيراً إلى أن تلك الاستقالات لن تؤثر على “العملية التربوية”، وهو في مضمونه قرار مشابه لقرار مدير التنمية الإدارية بالوزارة إلا بتفاصيل بسيطة.
وعادة ما ينجح المدرس في الحصول على طلب الاستقالة من خلال دفع الإتاوات والرشى في مديريات التربية والتعليم والوزارة، وبالطبع مع الحصة المحفوظة سلفاً لضباط المخابرات والأجهزة الأمنية التي تبدأ القصة بتوصية منهم.
في حضرة “مدمر المدارس”
كثيرة هي الجهات التي عملت منذ العام الثاني من انطلاق الثورة السورية، حين بدأ الاستهداف الممنهج للمدارس من قبل النظام السوري، على توثيق الأضرار التي لحقت بالقطاع التعليمي؛ بدءاً من دمار المنشآت التعليمية، مروراً بتسرب مئات آلاف الطلاب، وصولاً إلى نقص الكوادر.
وبحسب آخر إحصائية نشرتها الأمم المتحدة مطلع العام الحالي، فإن واحدة من كل ثلاث مدارس في سوريا لم تعد تُستخدم لأغراض تعليمية، سواء بسبب تدميرها أو تضررها، أو لإيواء النازحين، أو لاستخدامها لأغراض عسكرية.
وأشارت المنظمة في تقريرها آنذاك إلى أن هذا الواقع التعليمي يؤدي إلى انخفاض عدد المدارس التي أُعيد تأهيلها وإعاقة وصول الأطفال إلى التعليم، حيث تصبح الفصول الدراسية مكتظة، إضافة إلى مغادرة عشرات الآلاف من المعلمين والعاملين في القطاع التعليمي البلاد.
فريق “منسقو استجابة سوريا” قاله بدوره، في تقرير سنوي نشره مطلع العام الحالي، إن هجمات النظام السوري وروسيا على شمال غربي سوريا دمّرت مئات المدارس وأخرجتها عن الخدمة.
ووفق إحصائيات الفريق، فإن عدد المدارس المدمرة والتي خرجت عن الخدمة في شمال غربي سوريا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة فقط بلغت 870 مدرسة، بينها 227 منشأة تعليمية.
نصف الأطفال السوريين خارج المدارس
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قالت في تقرير سابق إن نصف عدد الأطفال في سوريا، الذين عم في سن الدراسة، خارج المدارس.
وذكرت أن 2.4 مليون طفل متسرّب، من أصل نحو 5.52 مليوناً خارج المدارس، تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً، في حين توقّعت المنظمة آنذاك أن يرتفع عدد الأطفال المتسربين من التعليم، وأن يتعرضوا لخطر التسرب الدائم، في ظل بقائهم لمدة طويلة خارج المدرسة ما يصعب عليهم تعويض ما فاتهم من سنوات دراسية.
Source link