سوريا

العنصرية اللبنانية ضد السوريين.. حرب داخلية لاستيعاب الحرب الإسرائيلية



يخبرني صديقي الرسام السوري المعروف الذي يعيش في بيروت منذ سنين بإقامة شرعية أنه لم يشهد في حياته نظرات تطفح بالعنصرية كما لاحظها في الفترة الأخيرة من أبناء الحي الذي يقيم فيه. يروي سيرة إحساس فظيع وغريب لازمه إثر نجاته من حملات اعتداءات طالت السوريين في الشارع بسبب ملامحه التي لا تحيل إلى الأوصاف العامة للسوريين كما تم رسمها واختلاقها.

يقول بمرارة “نجوت لأنهم اعتقدوا أنني لست سوريا، تبا لمثل هذه النجاة”.

صديق سوري آخر يدرس في واحدة من أرقى الجامعات اللبنانية يستدعيه راعيه العليم ببواطن الأمور ويفرض عليه إقامة جبرية في حيز عائد لأحد السفارات الغربية بغية حمايته.

هذا ما اصطدمت به في محيطي القريب والمباشر، ولكن أخبار سحل السوريين وتهجيرهم وقتلهم صارت خبرا يوميا يسيطر على الأخبار المتلاحقة بكثافة عالية، ويحتل بقوة التجاهل والتواطؤ والإصرار على إعلاء الجريمة والحقد مرتبة الوطنية العمومية، ويرتدي سمات الطبيعي والمألوف.

حملات تحريض منظمة ومبرمجة ومكلفة تقودها محطة الـ”أم تي في” التي تصنف نفسها على رأس هرم “الرايتينغ” في لبنان ولكنها لا تبالي بالتحقق من أبسط المعلومات حول واقع اللجوء.

توحد المواقف حول موضوع اللجوء وخروج موجات التحريض من كل حدب وصوب يشي بأن كل القوى السياسية الفاعلة قد أعلنت اصطفافها خلف حزب الله في مشروعه.

تنشر صورا مزيفة وتقود حملات تشويه منظمة بكل ما للكلمة من معنى، ولعل أبرزها اتهام السوريين بالانتماء إلى قاتلهم الأسدي وأنهم ليسوا سوى بعض بضاعة النظام السوري قلبا وقالبا وهوية ودورا ووظيفة.

اللاجئ السوري في خيمته الغارقة بالوحول والأمطار شتاء والقيظ صيفا والمعزولة عن شروط العيش البشري المعاصر يصر وفق خطاب المحطة على الانتساب إلى الهوية الأسدية التي فر بسببها من بلاده. لا يكف عن إنجاب الأطفال ليؤكد البعد الرمزي المنتمي إلى سوريا الأسد حيث سيسمي طفله بشار وطفلته أسماء تيمنا بالثنائي المرجعي الذي بات عنوانا للمجزرة السورية.

يعلم القاصي والداني أن لا شيء يتحرك في مستنقع الخراب الآسن الذي يدعى لبنان إلا استجابة لهدف ما يتلاءم مع مصالح القوى المتغلبة على ناسه وأهله. العنصرية ضد السوريين لطالما كانت قائمة ولكنها لم تتمنهج وتتبلور وتصل إلى هذا الحد حيث تظهر تطبيقات تدعو إلى التبليغ عن السوريين وتطلب من كل لبناني أن يتحول إلى مخبر وقاض وجلاد في الوقت نفسه.

تعميم الفاشية يتيح التماهي المطلق والنهائي مع حزب الله كونه يشكل مصدره ومرجعيته، وبذلك ليس غريبا أن تحتل صورة حسن نصر الله ملامح كل زعماء الاعتراض ما ينذر بأن النظام اللبناني كما صاغه حزب الله ونمت على ضفافه الانسجامات والمعارضات مهدد بالتلاشي.

لم تصل الأمور إلى هذه الهوة تحت ضغط اللجوء السوري قطعا ولكن لأن القرار الإسرائيلي بتصفية قوة حزب الله قد اتخذ، ولأن إيران التي تسارع في الانسحاب من الميدان السوري بعد تلقيها سلاسل إنذارات بالدم عبر اغتيالات طالت نخبة رفيعة من قياداتها فهمت أن وجودها في سوريا قد بات ممنوعا وأن حلفا واضحا حول هذا العنوان يتشكل ويضم روسيا وإسرائيل إضافة إلى الحليف الأسدي اللدود الذي تنمو عوامل الطلاق بينه وبين إيران وتكتمل.

كان يسود قبل هذه اللحظة اعتقاد مفاده أن البلد يخوض صراعا بين قوى متسلطة ومتوحشة وبين قوى عاقلة، ولكن توحد المواقف حول موضوع اللجوء وخروج موجات التحريض من كل حدب وصوب يشي بأن كل القوى السياسية الفاعلة قد أعلنت اصطفافها خلف حزب الله في مشروعه.

بدا واضحا أنها تحيا تحت ظلاله، وتاليا فإن التمايزات في هذا المقام قد انعدمت. أول مؤشر لا يمكن إنكاره لدعم وجهة النظر هذه يكمن في أن لا صوت جديا يمثل تيارا سياسيا فاعلا يقول بشكل رسمي إن حزب الله مسؤول مباشرة عن مأساة اللجوء السوري وإنه يجب تحميله كل أوزارها أخلاقيا وإنسانيا وسياسيا.

يتم التعامل مع اللجوء وكأنه حدث بلا فاعلين وأنه وجد من الفراغ، وكأن السوري بغض النظر عن انتمائه وميوله كان يشتهي العيش في الفردوس اللبناني، وكأنه لم يطرد من بلاده بقوة النار والبارود والبراميل المتفجرة .

يستفيد حزب الله من العنصريات اللبنانية تجاه السوريين ويديرها بغية التغطية على حرب المساندة غير الشعبية والتي وضعته في مواجهة مع جمهوره وبيئته الحاضنة التي تنظر إليها بوصفها حربا بلا عنوان واضح، وخصوصا أن الاستهدافات الإسرائيلية لا تطول كوادر الحزب وقياداته وحسب بل تستهدف أماكن النشاط الاقتصادي للبيئة الحاضنة عن عمد، وتدمر أبواب الرزق والمؤسسات.

عمليات طرد السوريين من مناطق النفوذ الشيعي والمسيحي تلعب دورا قد لا يبدو مرئيا بشكل مباشر ولكنه يقع في صلب أزمة تفريغ مناطق الحدود وعدم القدرة على إيجاد مساكن بديلة.

عدد كبير من الغارات الإسرائيلية التي بدت غير مفهومة عسكريا وميدانيا اتضح لاحقا أنها استهدفت التماسك الاقتصادي للبيئة الحاضنة في لحظة لا يوجد فيها من يعوض لا في الداخل ولا في الخارج.

عمليات طرد السوريين من مناطق النفوذ الشيعي والمسيحي تلعب دورا قد لا يبدو مرئيا بشكل مباشر ولكنه يقع في صلب أزمة تفريغ مناطق الحدود وعدم القدرة على إيجاد مساكن بديلة وموجات الاستغلال الفاجرة للأزمة من قبل أبناء البيئة التي كان يفترض أنها حاضنة فباتت مع غياب المال الإلهي النظيف والقذر تجد في معارك المساندة فرصة لتحقيق ثروات على غرار الثروات التي حققها المهربون وتجار الكبتاغون.

يُهجّر السوريون ويدفعون إلى المناطق السنية التي هي على عكس ما يشاع، لا تكن لهم الود ولا ترحب بهم، فهم ليسوا سنة بل مجرد سوريين، والسوري لم يعد انتماء وهوية بل حالة يمكنها أن تكون مسرحا لكل التوصيفات.

وبذلك فإن العنوان المزدوج للأزمة المصنعة إلهيا والمدعومة مسيحيا وحزبيا يقضي بالاستفادة من تهجير السوريين لإيجاد مساكن لإيواء الفارين من مناطق الاشتباك المتوسعة من جهة ولخلق توتر سني سني ومسيحي سني في لحظة يحاول

فيها أن يمنح حربه غير الشعبية شيعيا عنوانا إسلاميا عبر الدفع بخطاب الجماعات السنية المتطرفة إلى الواجهة تحت عنوان المواجهة في ظل التشرذم السني الواضح وغياب القيادة .يتم توظيف اللجوء السوري كأزمة وفرصة لتمكين نفوذ الجماعات المتطرفة.

ومع ارتفاع حدة التصعيد الذي ينذر بتوسيع دائرة الحرب يجتهد الحزب في صناعة ظروف تصبح بموجبها حرب نتنياهو القادمة على لبنان واحدة من حروب كثيرة تجري في الوقت نفسه.

تلك الحرب التي استجرها وفقد القدرة في التحكم بدرجتها وحدودها ومجالها الجغرافي وأهدافها تطرح بشكل مباشر موضوع القضاء على قدراته الصاروخية وتقزيم حضوره، يستقبلها بتوليف حرب داخلية عنصرية يحاول من خلالها تقديم نفسه كمدافع عن الكيان اللبناني ضد ما اصطلح على تسميته بالغزو السوري في الوقت الذي يُترك فيه البلد مشرعا لكل أنواع الاستباحات وأولها وأخطرها تلك التي ينتجها زمانه وأفكاره وقيمه ومشاريعه التي لا تعترف بالأوطان في الأساس.

 

 



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى