اليمن

مجلس حضرموت الوطني.. الحقوق الحضرمية والقواسم المشتركة


الاعلان امس الثلاثاء الماضي في الرياض عن اشهار مجلس حضرموت الوطني كحاملا سياسيا لتطلعات المجتمع الحضرمي والذي تضمن كذلك التوقيع على ميثاق الشرف الحضرمي والاعلان عن الوثيقة السياسية والحقوقية ، وكنتائج لمشاورات حضرمية عقدت في الرياض خلال الفترة ( ۲۱ مايو – ۱۹ يونيو ۲۰۲۳م) ، ومما جاء في الوثيقة السياسية والحقوقية التاكيد على أهمية توحيد الصف ، وتغليب نهج الحوار لحل كافة الخلافات والتفرّغ للإصلاحات الاقتصادية والخدمية وحشد الجهود لاستعادة مؤسسات الدولة وانهاء انقلاب المليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، علاوة على ضرورة تلبية تطلعات أبناء حضرموت وحقهم في إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والنأي بحضرموت عن أي توترات أو خلافات بينيّة، وتقديراً واعتزازاً منها بالجهود والمواقفِ المشرّفة لدول تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية وتنمية حضرموت وباقي المناطق المحررة ، واستعادة السلام والاستقرار في اليمن.

ووفقا لتلك المخرجات فإن اعلان مجلس حضرموت الوطني  كمشروع لتوحيد أبناء حضرموت تحت كيان سياسي واحد  يعتبر هو التجسيد العملي لوحدة الشعب الحضرمي الذي تجمعه ثقافة حضارية ضاربة في عمق التاريخ جمعت الحضارم في الماضي، وباتت شرطاً لضمان انتزاع حقوقهم في الحاضر، وضرورة لنهضتهم في المستقبل ، مما يتطلب لتحقيقها وحدة الصف والحفاظ على الاجماع الحضرمي ، فهناك قوى لديها هدف لمنع نجاح هذا الكيان الجديد ومحاولة العمل على اختطافه لاجندة خاصة بها ، وسعت وسوف تسعى إلى ابقاء حضرموت مجزأة، متناحرة، مشرذمة لمنعها من امتلاك الإرادة والقدرة على تحقيق تطلعاتها السياسية المشروعة وامتلاك قرارها، واستثمار مواردها الاقتصادية ، والحفاظ على هويتها الثقافية والاجتماعية ، ومواصلة الإسهام في الحضارة الإنسانية من حولها.

ومن قراءة لما جاء في هذه الوثائق ومضامينها اتضح جليا أن هناك حاجة ملحة وفي ظل هذا التناقض بين حاجة حضرموت إلى توحيد الكلمة ووحدة الصف بما ينسجم مع ماض حضرمي تليد ، ويواجه حاضرا مهدداً بكل انواع التحديات، وتهيء لمستقبل ناهض، وبين عوائق كثيرة وكبيرة تحول دون تحقيق ما تصبو اليه ، فخاضت حضرموت في مواجهته، وما تزال أكبر معاركها من أجل استقلال قرارها السياسي والاقتصادي والاداري والعسكري والامني  ، وضمان حرية مواطنيها وتنمية مجتمعها القائم على الوسطية والاعتدال ، والتجدد في عطائها الحضاري والثقافي، وهي أهداف مشروعها النهضوي، والذي يجب ان يقع في صلب مهام مجلس حضرموت الوطني متلازماً مع الأهداف الأخرى، التي لا مقايضة بينها، ولا إقصاء لأحدها لحساب الآخر، بل بينها تكاملا وأن كل خطوة على طريق أي هدف من هذه الأهداف هي خطوة على طريق تحقيقها كاملة دون نقصان.

ولعل توقيت اعلان مجلس حضرموت الوطني كان من الاهمية بمكان لوضع حضرموت في مسار مرحلة السلام في اليمن والتي تطلب كيانا سياسيا جامعا قويا فنحن نعيش في عصر لا مكان فيه للتكتلات الصغيرة، ولا مستقبل لها، وهذا ما تحقق في هذا الكيان الحضرمي الذي توحدت فيه الارادة الحضرمية   بعيداً عن التشرذم والتناحر والانعزال، كما أن كل نظرة موضوعية إلى حضرموت مساحة وموقعاً ومواردا، تظهر أن قيام أي شكل من أشكال وحدة القوى والمكونات السياسية والاجتماعية والمدنية تحت ظل مجلس حضرموت الوطني أمر تفرضه مصالح حضرموت الكبرى والذي ينبغي ان يجسد مبادئ الشورى والديمقراطية التي تشكل آلية المشاركة الشعبية الفاعلة في الادارة واتخاذ القرارات ورسم السياسات بعيدا عن ديكتاتورية الفرد ونزعة التسلط والبحث عن الزعامة المزيفة، وهذه المبادئ سوف تكون صمام أمان الوحدة الوطنية الحضرمية بين مكوناته المتنوعة، والضامن الحقيقي لنجاح مسيرته التي بدأت عجلة دورانها ،كما يجب الانفتاح وعدم الانكفاء داخل مكونات المجلس فقط ، بل العمل على فتح قنوات اتصال مع القوى السياسية والمدنية الفاعلة الاخرى في حضرموت خاصة والجنوب عامة من خلال تبني برامج ومشاريع هدفها العمل على القواعد والاهداف المشتركة مع هذه المكونات لتحصين الجبهة الداخلية الحضرمية خاصة والجنوبية عامة من كيد الاعداء لمنعها من تحقيق اغراضها، وايقاف اي عمليات اختراق وتشويه لهذه الكيانات وتعميق حالة الانقسام والصراع بينها وبما يؤدي لافشالها من تحقيق اهدافها ،وهذا يتطلب ان يكون هناك إطارا سليما لتنظيم هذه العلاقة بين مجلس حضرموت الوطني وهذه الكيانات وفق إطار أوسع واشمل يحمل بين طياته مفاهيم التوافق والتفاهم والحوار ، ومنه يكون المجلس قادرا على التعامل برحابة وانفتاح ، (هي من صلب ثقافة الحضارم)، وبذلك تصبح هذه المكونات أكثر انجذاباً وأكثر استعداداً لاحترام خصوصية مجلس حضرموت الوطني وأكثر قدرة على التنسيق والتعاطي الايجابي معه .

ولكن  هناك سؤالا يتردد من لحظة اعلان اشهار مجلس حضرموت الوطني وببحث عن اجابة  وهو:  ما هي السبل الكفيلة لضمان نجاح المجلس لتحقيق اهدافه المعلنة ولتحقيق تطلعات الحضارم ؟!.
وهنا وللاجابة على هذا السؤال لا بد للمجلس من العمل على مستويات عدة لتحقيق النجاح وتحقيق مجمل الاهداف المعلنة وهي: 
1- العمل على أن تكون لقيادته واعضائه قراءة نقدية موضوعية عميقة وشاملة لمجمل تجربة المكونات الحضرمية السابقة ، وتحديد الايجابيات والعمل على تطويرها، وحصر السلبيات وهي عديدة والعمل على تجنبها وتجاوزها. 
2 -نشر الوعي الشوروي والديمقراطي بين اعضائه ومنتسبيه وممثلي الكيانات المنضوية فيه خاصة وللمجتمع الحضرمي عامة ، وبشتى الوسائل المتاحة، لا سيّما عبر وسائل الاعلام ومنها وسائل الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي ، وان يكون من اولى مستلزمات هذا الوعي هو الابتعاد قدر الامكان عن منطق الانقسام (أياً كانت مبرراته) والمهاترات (أياً كانت دوافعها) والتعامل مع ايجابيات بعضنا البعض، سواء كافراد او كجماعات وكيانات ، والتصرف دائماً وفق القول المأثور: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب” . 
3- تفعيل القوى الجماهيرية والشعبية حيث ان الجهة الوحيدة صاحبة المصلحة في ضمان نجاح مجلس حضرموت الوطني ،هو الشعب والجماهير الحضرمية في الداخل والخارج ، فهي صاحب الارادة والشريك الاساسي في النجاح، وهي أيضاً صاحبة القدرة على المساهمة في توحيد القوى والكيانات المنضوية في اطار المجلس إذا توفرت لها الوسائل والآليات والقيادات المؤهلة لتحقيق ذلك فسوف يكون تاثيرها ايجابيا ومؤثرا وملموسا. 
4- بناء كتلة شعبية حضرمية من كل القوى والفعاليات الشعبية  المؤمنة بحقوق حضرموت والملتزمة بمشروعها السياسي، بغض النظر عن الخلفيات الإيديولوجية والسياسية  لهذه القوى لدعم واسناد مجلس حضرموت الوطني . 
5- تطوير وسائل عمل غير تقليدية تضمن تواصل القوى الشبابية وقطاع المرأة الحضرمية في الداخل والخارج سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات العنكبوتية والنوادي والمنتديات ومخيمات الشباب بحيث يتفاعلون مع بعضهم البعض ويخططون معاً لنجاح مجلس حضرموت الوطني . 
6- دعم وتطوير أشكال الاتحادات ومنظمات المجتمع المدني   ودعوتها لتحمل مسؤولياتها كاملة كل في مجاله، وبشكل يضمن التواصل والتكامل فيما بينها، والاستفادة من خبراتها في تجسيد وحدة الرأي والمشورة والانطلاق نحو المستقبل .

خلاصة القول والذي نوجهه لمجلس حضرموت الوطني خاصة و للحضارم عامة قوله تعالى  ” واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ” ففي هذه الاية الكريمة التي تلخص أهمية وحدة الصف ونبذ الاختلاف والفرقة كفكرة نابعة من قلب تراثنا وحضارتنا ، وكحاجة لمواجهة كل التحديات والمخاطر، وكطريق لمستقبل الحضارم الذين لا مستقبل لهم بدون التلاحم ورص الصفوف ،فقد جاءت أحداث تاريخنا القديم والحديث لتؤكد سلامة هذا المنهج، حيث ما توحد الحضارم إلا وحققوا النجاح والنصر على أعدائهم، والازدهار لمجتمعاتهم، وما تفرقوا إلا وذاقوا مرّ الهزائم ومرارة الفشل وقسوة العيش ، وهذا ما يؤكد أهمية التلاحم والاتفاق ووحدة الرأي وهو اس واساس ومنطلق نجاح مجلس حضرموت الوطني لتحقيق اهدافه.


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى